ما سمعه اللبنانيون من السفير

TT

تعودنا في العالم العربي على نوع معين من سفراء بريطانيا. رجال تعدوا الخمسين، يتحدثون الإنجليزية بلكنة أرستقراطية تشبه لكنة الملكة، ويقولون أشياء غير واضحة ويستخدمون تعابير مزدوجة وتأويلية ويعتبرون الغموض سيد الدبلوماسية.

الفئة الجديدة من السفراء نقيض ذلك. سفير بريطانيا لدى لبنان، يبدو وكأنه دون الأربعين. أصغينا إليه في حفل أقامه له السياسي اللبناني فؤاد مخزومي، وكان مفاجئا في مباشرته وليس ما نسميه نحن الصراحة، كأنما الخبث هو القاعدة.

قال السفير فلتشر لسامعيه من اللبنانيين إن أول وآخر ضيف ملكي بريطاني زار لبنان كان في عام 1862. يومها ترك في مذكراته أن لبنان بلد لاجئين وانشقاق وخلافات وحروب. وسأل، ماذا لو جاء ضيف آخر اليوم؟

وقال، أنا سفير بريطانيا، ومهمتي أن أخدم مصلحة بلدي. لماذا لا تصنعون مصلحة بلدكم؟ قال إن معاهدة «سايكس - بيكو (1916)» وضعت لمصالح بريطانيا وفرنسا. وفي الأفق اليوم مشاريع «سايكس - بيكو» جديدة، لماذا لا تكون لحسابكم وحساب وطنكم ومصلحته؟ لماذا لا يكون القرار قراركم.

هنا تدخلت الدبلوماسية من جديد. لم يعط الجواب الذي يعرفه تماما. ألم يستهل خطابه بالحديث عن 1862 وماذا عن 1920؟ و1958؟ و1975 وباقي السنوات؟ كان بين الحضور سفراء الدول الغربية الأخرى، وكانوا جميعا يقرأون في تاريخ واحد. تاريخ من الانقسام والعداء والتقافز على السلطة والمنافع، والتناوب على الفساد والإهمال. وهو وباء نقلناه إلى الدول العربية الأخرى تحت عنوان «الحرية والديمقراطية» التي اختطفها أناس لا هم أحرار ولا ديمقراطيون.

كان للحفل جانب ظريف. فقد تعرفت قبل سنوات إلى سفير المكسيك، حيث للبنان جالية قديمة، أشهر أبنائها كارلوس سليم، أحد أثرياء العالم. وفي أول لقاء سألت السفير متى سيغادر، فقال ضاحكا: «لا أدري، لكنني قبل أن أسافر سوف أتأكد من إطلاق النار على لبناني واحد على الأقل».

أمس سألت صاحب هذه الشخصية المرحة والمحببة، إن كان لا يزال على هدفه، فأجاب: «أرجوك. قليلا من الاحترام، أنا صاحب مبدأ ولا أغير في كلامي».

قلت: هل تحتاج إلى مساعدة؟ قال: «أرحب بأي عون وطني في هذا المجال!» قلت، سوف أرسل لك لائحة بعدد من الثقلاء. لا تطلق النار عليهم. اعطهم إقامات دائمة.