تحقيقات أميركية تجعل من الصحافيين مجرمين

TT

هناك أسباب تجعلك لا تهتم بتجسس إدارة أوباما على الصحافي جيمس روزين ونعته بـ«المتآمر أو الشريك في الجريمة أو كليهما معا» في قضية تجسس. وربما لا يهتم الليبراليون لأن الصحافي المستهدف يعمل لدى «فوكس نيوز». وكذلك ربما لا يهتم المحافظون نظرا لكراهيتهم لوسائل الإعلام بوجه عام. وليس للرأي العام بالتأكيد الصبر على تذمر الصحافيين وتأوههم. إليك الأسباب التي تدفعك للاهتمام وتجعل من قضية تنصت الإدارة على تسجيلات مكالمات هاتفية لصحافيين في «أسوشييتد برس» أخطر من فضائح إدارة أوباما المزعومة بشأن بنغازي وهيئة العائد الداخلي. إن قضية روزين لا تقل عن أي تعد فاضح ومشين على الحريات المدنية من قبل إدارة بوش، بل ولعلها تفوقه؛ فالإدارة تستخدم التكنولوجيا لإسكات المنتقدين بطريقة لم يكن لريتشارد نيكسون أن يراها إلا في أحلامه.

إن معاملة صحافي كمجرم لأدائه عمله وسعيه للحصول على معلومات لا تريد الحكومة أن تنشرها تحرم الأميركيين من الحرية التي منحها لهم التعديل الأول الذي تقوم عليه كل الحقوق الدستورية الأخرى. الأسلحة؟ الخصوصية؟ العملية السليمة؟ التساوي في الحماية؟ إذا كنت لا تستطيع أن ترفع صوتك عاليا فلن تصبح قادرا على الدفاع عن هذه الحقوق. إضافة إلى ذلك، تقضي أفعال الإدارة على كل مصداقية للرئيس، وتثبط عزيمة الحلفاء الذين سيدافعون عن الإدارة في مواجهة اتهامات غير حقيقية مثل تلك التي تتعلق بهجوم بنغازي.

إذا كانت الإدارة تتجسس على صحافيين وتتهمهم بارتكاب الجرائم لمجرد طرحهم أسئلة، فمن يعرف ما الذي يستطيعون أن يفعلوه أيضا؟ عندما غطيت وروزين أخبار البيت الأبيض خلال فترة حكم بوش معا منذ عقد، تعرفت عليه ووجدت أنه صحافي مقاتل مفتون بفضيحة ووترغيت. وكتب لاحقا سيرة جون ميتشل، المحامي العام الموسوم بالخزي خلال فترة حكم نيكسون، بشكل متعاطف. وهو الآن يدرك إلى أي مدى يمكن لوزارة العدل أن تسيء استخدام السلطة من إدارة فاق عدد قضايا التسريبات التي أقامتها عدد كل القضايا التي أقامتها الإدارات الأميركية السابقة مجتمعة.

حصلت زميلتي في «واشنطن بوست»، آن ماريمو، التي فجرت قضية روزين، على شهادة مشفوعة بالقسم من رغينالد ريز، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي، بأنه سعى للتجسس على البريد الإلكتروني لروزين. وأوضح في الشهادة وجود سبب مرجح يدعم الاعتقاد في ارتكاب الصحافي انتهاكا للقانون بتسريبات تتعارض مع مصلحة الأمن القومي. وكشفت الشهادة بالتفصيل عن كيفية مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي لتحركات روزين من وإلى وزارة الخارجية وتعقب مكالماته الهاتفية المختلفة مع المسرب المحتمل ستيفن جين وو كيم. وتجسس العاملون في الإدارة على روزين فترة كافية لمعرفة شغفه بووترغيت، فقد كان عنوان بريده الإلكتروني يحمل اسم مساعد نيكسون، الذي ثبت نظام التجسس السري، وكانت هناك «خطة الاتصالات السرية» الخاصة بروزين (نسخة عصرية من اصيص الزهور الأسطوري لبوب وودوورد) التي بداخلها رسالة تحمل رمز النجمة تعني أن روزين عليه الاتصال بكيم.

هل هذه هي جريمة روزين المفترضة؟ حصل ريز على دليله من البريد الإلكتروني للصحافي. جاء فيه «أريد أن أبلغ كل المنافسين عن مبادرات أو تحولات جديدة في السياسة الأميركية وأحداث على أرض الواقع (كوريا الشمالية) وما تحصل عليه الاستخبارات.. أود أن أرى بعض التحليلات الداخلية الخاصة بوزارة الخارجية.. بإيجاز لننشر بعض الأخبار ونكشف بعض السياسات المرتبكة عندما نراها أو نجبر الإدارة على السير في الطريق الصحيح إن أمكن».

إن هذا لدليل قوي حقا على العمل الصحافي الجيد. وكيف ارتكب روزين هذه الجريمة؟ أخبر كيم المحققين بأن روزين «شخص مقنع جدا ومثابر يقول لي إنني ذكي وربما أضعف أمام التملق». فقط في بلاد بها وزارة عدل كهذه يمكن أن يدفع بك التملق إلى السجن.

وأخبر جاي كارني، المتحدث باسم الرئيس أوباما، الصحافيين بضرورة تحقيق «توازن» بين حرية الصحافة والتسريبات التي «قد تعرض حياة عاملين بجهاز الدولة وأميركيين يعملون في الخارج للخطر». هذا حقيقي، لكن أكدت تقارير عام 2009 التي أدت إلى إجراء التحقيق أمرا بديهيا، وهو أن كيم يونغ أون سيخلف والده كيم يونغ إل في رئاسة كوريا الشمالية على الأرجح، وأن هناك قلقا من رد كوريا الشمالية على فرض المزيد من العقوبات عليها بإطلاق تجربة نووية ثالثة. وكما يحدث كثيرا كانت المعلومات الاستخباراتية خاطئة، ولم تطلق بيونغ يانغ تجربة نووية أخرى في ذلك الوقت.

أخبر كارني مراسلي البيت الأبيض يوم الثلاثاء بأن أوباما يعتقد أنه لا يجب محاكمة الصحافيين لقيامهم بوظيفتهم. وربما كان ينبغي عليه تذكير مكتب التحقيقات الفيدرالي بذلك. وأكدت الإدارة مرة أخرى دعمها لقانون حماية الإعلام (ترحيب مصحوب بنية مشبوهة لأن البيت الأبيض أحبط في السابق محاولة لتمرير هذا القانون).

إذا كان أوباما «مدافعا قويا عن التعديل الأول» كما يقول المتحدث باسمه، فإنه سيتحرك سريعا من أجل إصلاح هذا الوضع، وإلا سيقدم أوباما نموذجا ينذر بالشؤم والخطر لقادة المستقبل الذين ربما لا يكونون متحمسين للتعديل الأول.

* خدمة «واشنطن بوست»