عندما تتساءل أم القتيل لماذا قتل الحزب ولدي!

TT

في وقت ما ثاب حزب الله إلى رشد مؤقت بعد حرب عام 2006 فقال السيد حسن نصر الله في لقاء مسجل مفتوح على الناس، إنه لو علم مسبقا بالخسائر التي سوف يتكبدها لبنان من جراء تلك الحرب، لما أقدم عليها.

العقلانيون العرب وقتها ثمنوا ذلك التصريح بأنه صحوة بعيدة عن الشعارات ولا ينقصه كل من الصراحة والشجاعة، حيث كانت تكلفة الصراع باهظة على اللبنانيين جميعا دفعوها من أرواحهم وأرزاقهم.

لا أحد يعرف أو لديه تفسير واضح لماذا عكس الحزب تلك الصحوة المؤقتة بالدخول في حرب جديدة، سماها (حربنا) أي حرب الحزب! هذه المرة ليس مع العدو الذي يُجمع كثير من العرب على صواب الوقوف في وجهه، ولكن ضد مواطنين سوريين عرب، في معظمهم من دون سلاح، بصرف النظر عن مذهبهم أو دينهم.

هل هي مغامرة لم يحسب حسابها أو هي تأكيد ما يقال: إن الحزب أصبح بندقية للإيجار تضرب في أي مكان يرى السيد المطاع والممول أن تضرب فيه. لقد شتت حزب الله بقية من تراث إيجابي عمل عليه باللسان لفترة طويلة في صفوف العرب من غير محازبيه، كانوا قد صدقوا أقواله في المقاومة وفي حصر استخدام السلاح ضد إسرائيل، وفي أكثر من منعطف ظهر أن الكلام غير الفعل وما تحت السطح مناقض لما فوقه، ولكن كانت الشكوك تستبعد والذرائع تعرض في كل تلك المواقف، حتى السقطة الأخيرة جراء مشاركته في صد الحرية عن الشعب السوري التي يمكن إجمال تناقضها في خمس نقاط:

أولا: موقف مناقض للحرية، فأساسا مطلب السوريين هو الحرية، في عالم أصبح يدعو إلى الحرية ويستمتع بها من ضفاف الأطلسي الغربية إلى شرق آسيا، فقد قام الشعب السوري أو قل أكثره مطالبا بالحرية وبالطريق السلمي في البداية حتى قرر النظام السوري أن يستخدم القمع والسلاح، ومن المعروف أن الأنظمة – أيا كانت – تصنع معارضتها على شاكلتها - ومن هنا حملت مجموعات سورية السلاح سعيا وراء الحرية وفي كثير منه البسيط، من أجل الدفاع عن النفس، أمام سلاح يفوقه عدة وعتادا، في حرب حزب الله ضد الشعب السوري يقف ضد ما روج إليه باللسان كثيرا، أنه مع الحرية، أثبت العكس تماما، لقد وقف ويقف مع القمع ضد حرية شعب شبه أعزل، فكيف يمكن لعاقل أن يصدق بعد اليوم أن عتاد ورجال الحزب سوف يقفون مع حرية الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يقفون فيه ضد حرية الشعب السوري، وكلاهما عرب مسلمون!

ثانيا: موقف مناقض من إدارة الاختلاف بالحسنى، فقد روج حزب الله في كثير من المواقف أن حل المشكلات السياسية يتم بالحوار، وهكذا ذهب إلى الحوار في بلده لبنان، صحيح من دون نتيجة حتى الآن، ولكنه أشاع باللسان أنه مع الحوار وضد استخدام العنف، على عكس ذلك فعل في سوريا فاستخدم العنف المطلق ودفع بمجنديه، الوجبة تلو الأخرى، في ساحة الصراع دعما لنزاع غير عادل بين شعب يتوق إلى الحرية ونظام يسعى إلى استعباده.

ثالثا: موقف مناهض للمذاهب الأخرى وربما الأديان، فقد روج حزب الله أنه حزب غير مذهبي وأنه يحترم المذاهب والأديان ويحترم التعددية، في دخوله إلى المعركة ضد الشعب السوري، مهد لها بالقول: إن الذين يحاربهم تكفيريون أي خارجون عن الدين، وإن لم نحاربهم هناك، على حد زعمه، فسوف يأتون إلى حربنا هنا، معنى هذا الكلام أولا تأجيج الفكر الطائفي المقيت، وثانيا ضرب فكرة احترام التعدد المذهبي في مقتل لا قيامة بعده.

رابعا: موقف مناهض للنظام العالمي، رغم أن الحزب مشارك في السلطة اللبنانية، ويعني ذلك وجوب احترام المواثيق الدولية، فإنه قام في وضح النهار باختراقها، من خلال الإعلان عن مشاركته في حرب داخلية سورية، وبمجموعات منظمة، ضاربا عرض الحائط بكل المواثيق الدولية التي تحرم هذا الفعل، حتى شريكته إيران نأت بنفسها علنا أن تفعل ذلك، حتى لو فعلته في السر.

خامسا: موقفه من مفهوم العدو، ففي الوقت الذي كان الحزب يقول باللسان إنه لا عدو له غير الاحتلال الإسرائيلي، واحتلال لبنان بالذات أو احتلال أراض تابعة للبنان، تحول العدو إلى مكان آخر، في الأراضي السورية وخصوصا (التكفيريين) والمقاومة السورية ليست كلها (جدلا) من ذلك النوع إن صح الادعاء، ولكن الحزب يحاربها تحت ذلك الغطاء إعمالا في التمويه لدى البسطاء والتبع.

إذا كانت هذه هي (حربنا) كما قال السيد حسن نصر الله، فهي حرب ضد الحرية، وضد إدارة الاختلاف بالحسنى، وضد التعددية والمذاهب الأخرى، وضد الاتفاقات الدولية ومع استهداف أعداء جدد من أهل البيت. فإذا كانت هذه حربهم فأي أهداف يسعون إليها. لقد اعتمد حزب الله، حتى مؤخرا، على ثلاثة مبادئ، الشعار المُذهب، والمال المُبدد والاستعلاء بالعصبوية، ومع قوافل القتلى من أفراده وتصاعد تساؤلات الأيتام وتكاثر صيحات الأرامل سوف يعيد كثيرون في الطائفة النظر في بيان الخسائر والأرباح، حيث الخسارة تفوق الفائدة، وقتها ينكشف الحزب، وعادة إذا ما انكسرت الجماعات الصلبة تتشظى إلى فتات، فهي لا تحمل داخلها مرونة الاختلاف. لقد أخذ الحزب الطائفة إلى مكان لا تحسد عليه، إنه ينتزعها من نسيجها ويفتح جرحا قد لا يندمل بين مكونات الأمة، ويأخذ الجميع إلى مكان من الاحتراب لن يوفر الأخضر بعد أن يحرق اليابس.

قد يقول البعض إن هناك آخرين يحاربون مع الشعب السوري من خارج سوريا، وهو أمر لا ينكره عاقل، الفرق اليقيني أن هؤلاء قد ذهبوا إلى هناك بدوافع شخصية وحماس خاص، ولم تذهب جماعات منظمة أو أحزاب لها من الدربة في الحرب والتعامل مع السلاح، كما فعل حزب الله، فالمقارنة هنا وجب أن توزن مع الفارق، وهو فارق مهم بين أن يُدفع الناس بشكل منظم مجهزين بالسلاح الذي دربوا عليه إلى أتون المعركة، وأشخاص ذهبوا أفرادا بسبب حماسهم، هذا إذا أضفنا حقيقة أخرى أن الشعب السوري ومقاتليه لا يجدون في ذلك التدخل إلا عبئا آخر لا يريدون تحمل تبعاته.

في الغالب إن جاء الندم لن يفيد، فالنتائج بدأت تؤتي أكلها السلبية من خلال دق إسفين عميق بين جناحي الأمة، وقد يجد المتشددون أن تلك فرصة تاريخية للقول للعامة إن هناك حرب إبادة على إخوانهم من قبل جماعات مسلحة ومدربة ومدعومة من قوى إقليمية لا ينقصها التمويل أو الرغبة في مد النفوذ، وفي هذا إشعال لفتنة حمقى.

* آخر الكلام:

* القذائف التي أطلقت من جبل لبنان على الضاحية الجنوبية، مقر حزب الله، أصابت أربعة أشخاص، ثلاثة منهم سوريون، أليس ذلك من سخرية القدر على هذا العبث!