احتلوا «تقسيم»

TT

بدأ الأمر بمجرد احتجاج متواضع للغاية قام به نحو 50 شخصا منذ بضعة أيام ضد قرار الحكومة تحويل حديقة «جيزي»، البقعة الخضراء الصغيرة والوحيد المتبقية في منطقة تقسيم الشهيرة في قلب مدينة إسطنبول، إلى ثكنات عسكرية، التي كانت موجودة في العهد العثماني. هناك شائعات بأن الثكنات الجديدة قد تشمل مركزا للتسوق، كما ورد في خطاب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان نفسه. لذلك، بدأ نحو 50 من الناشطين المقيمين في المنطقة، ومعظمهم من الفنانين والمهندسين المعماريين والكتّاب، القيام بمظاهرة سلمية حتى حاولت الشرطة تفريقهم بالقوة وغاز الفلفل (المسيل للدموع)، وربما شهد البعض منكم «نساء غطت ملابسهن اللون الأحمر»، في تلك الصورة التي التقطها مصور لرويترز.

في تلك الليلة انضم عشرة متظاهرين جدد عندما أحضرت البلدية حفار صغير لإزالة ثلاث شجرات من الحديقة «من أجل توسيع الطريق» الذي يمر بجوار جيزي في إطار خطة التحول الحضري المتواصلة لجعل منطقة تقسيم للمشاة فقط.

كان أول سياسي معارض يظهر على الساحة سورييا أوندر من حزب السلام والديمقراطية، الذي يركز على المشكلة الكردية. أوندر هو أحد النواب الذين يجرون محادثات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المحظور في سجن إمرالي في إطار مبادرة أردوغان لإيجاد حل سياسي للمشكلة الكردية. لكن تقسيم كانت دائرته الانتخابية، وبعد الاشتراك مع المحتجين، وقف أمام حفار، مذكرا الكثيرين بوانغ ويلينغ الذي وقف أمام الدبابات في ميدان تيانانمين في بكين، أو تسلق بوريس يلتسين الدبابة لوقفها في الساحة الحمراء بموسكو.

وكانت تلك نقطة تحول في الأحداث، حيث تزايدت أعداد المتظاهرين وبدأوا في نصب خيام في جيزي من أجل البقاء هناك ليل نهار، وفي تلك الليلة، وتحديدا في الساعات الأولى من اليوم التالي، بدأت شرطة اسطنبول في مهاجمة تلك الخيام مرة أخرى بغاز الفلفل وخراطيم المياه. وقال أردوغان خلال مراسم وضع حجر الأساس للجسر الثالث على البوسفور إنه مهما قال المتظاهرون، لن يتراجع حزبه (حزب العدالة والتنمية) على تنفيذ مشاريعه، نظرا لأنه يحظى بدعم الناخبين. انضم نواب اسطنبول من حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيس، للمتظاهرين الذين تزايدت أعدادهم. وقرر حزب الشعب الجمهوري إقامة أحد نوابه في البرلمان بشكل كامل في المكان. وشوهد سزكين تانريكولو، وهو نائب كردي الأصل من حزب الشعب الجمهوري (يشكل ثنائيا مثيرا للاهتمام مع النائب أوندور التركي المنشأ والنائب عن حزب السلام والديمقراطية) يتجادل مع قائد الشرطة بعد أن رميه بالغاز ورش بالفلفل.

سيشكل الأمر مفاجأة كبيرة وربما الأولى من نوعها إذا رضخ أردوغان، المعروف بقوة عزيمته، لإرادة المحتجين وتعديل المشروع للحفاظ على المنطقة كحديقة، كما اقترح خبراء التخطيط الحضري أيضا. ولكن تصميمه والقوة المفرطة من الشرطة تمكنت من تحويل احتجاج سلمي متواضع إلى حركة احتجاج عام. في الوقت ذاته لم يرغب المتظاهرون اتخاذ أحداث تيانانمن، أو الميدان الأحمر، نموذجا لاحتجاجهم الذي يدخل أسبوعه الثاني، بل يريدون أن يكونوا أشبه بالمحتجين في حركة «احتلوا وول ستريت»ـ ولعل ذلك السبب في رغبتهم في أن يطلق عليهم «احتلوا تقسيم الآن». وسوف يكون مصيرهم نفس مصير احتلوا وول ستريت؟ ربما...

ولكن ما يجري الآن صورة أخرى لتناقض الديمقراطية التركية؛ من قمع الاحتجاجات البيئية السلمية بالقوة ومحاولة فرض نظام رئاسي قوي بقيود وتوازنات أقل من ناحية، ومحاولة التوصل إلى حل سلمي للمشكلة الدامية في تركيا من جهة أخرى.

http://www.hurriyetdailynews.com/occupy-taksim.aspx?pageID=449&nID=47972&NewsCatID=409

* رئيس تحرير جريدة(حرييت ديلي نيوز»