تفسير في غير موضعه!

TT

بمجرد إعلان فوز الفيلم الفرنسي «الأزرق اللون الأكثر دفئا» للمخرج التونسي الأصل عبد اللطيف كشيش الذي يقدم علاقة بين امرأتين، بعدها تعددت التفسيرات التي تنتهي جميعها إلى أن السياسة لعبت دورا وأن جائزة السعفة الذهبية تمهد الطريق أمام الرئيس الفرنسي للتوقيع على قانون يبيح الزواج بين المثليين جنسيا.

جاء رد رئيس لجنة التحكيم المخرج ستيفن سبيلبرغ وعلى طريقة محمد مرسي «دونت ميكس»، كان مرسي يقول لا تضع الغاز على الكحول، بينما سبيلبرغ أكد على أن السياسة لم تدخل إلى غرفة التحكيم أثناء مناقشتهم مصير الجوائز.

ورغم أن السياسة نرى بصماتها وهي تطل بقوة في الأفلام والمهرجانات، إلا أننا أحيانا أخرى نجد أنفسنا وقد وقعنا في شرك القراءة التي تحمل تعسفا سياسيا. كنت قد كتبت عن الفيلم مقالا عنوانه «بورنو إلا قليلا»، إلا أن هذا لا يعني أن اللجنة تعمدت منحه الجائزة على حساب أفلام أخرى تستحق، وأن توجها سياسيا دفعها إلى ذلك بدليل أن جائزة «الفيبرسكي» اتحاد النقاد الدوليين برئاسة الناقد الألماني كلاوس إيدر التي سبقت جائزة لجنة التحكيم بأربع وعشرين ساعة منحت جائزتها أيضا لنفس الفيلم. يلعب عدد من النقاد دورا في إضفاء غطاء سياسي لنتائج مهرجان أو يمنحون عملا فنيا رداء فكريا هو لم يقصده على الإطلاق. قد يضيفون تفسيرات خارج النص لم تخطر على بال مبدع العمل الفني، البعض يعتبرها مثل «الكاتشب» تعلي من تذوق عمله الإبداعي ولا يكتفي بإظهار سعادته بهذا التفسير الذي لم يخطر له على بال، بل ويتعمد التأكيد بأنه كان عامدا متعمدا وأن على النقاد أن يغوصوا أكثر ليحصلوا على درر أكثر.

قرأت سيرة حياة الكاتب أرنست هيمنغواي صاحب «العجوز والبحر» عندما بدأ النقاد في البحث عن تفسير لتلك الرواية التي أصبحت واحدة من أشهر وأخلد الروايات في الأدب العالمي، اعتبروها تقدم رؤية فلسفية للحياة لأن العجوز يبدأ رحلته في الصيد وعندما يعثر على سمكة كبيرة يمسك بها بقوة وفي نفس الوقت يتحرك قاربه الصغير في اتجاه الشاطئ، وعندما وصل كانت أسماك القرش قد التهمت سمكته الكبيرة ولم يبقى منها إلا هيكل عظمي، قالوا إن هذا الموقف يشبه رحلة الإنسان في الحياة عندما تبدأ وهو يعتقد أنه يمسك كل متع الدنيا بيديه ثم ينتهي الأمر بنهايته هيكلا عظميا مثل بقايا سمكة هيمنغواي، التشبيه يضفي كثيرا من الزخم الفكري على رائعة الأديب العالمي، ورغم ذلك فإن هذا الثناء أزعجه كثيرا وقال إنه لم يتعمد أيا من هذه الرموز.

وأضاف أن هذه التفسيرات تشبه وضع الزبيب على الخبز من أجل تحسين الطعم، وأن كثيرا من الكتاب يهزمون أنفسهم بأنفسهم عندما يستسلمون للزبيب. شيء من هذا تجده مثلا في فيلم «شيء من الخوف» لحسين كمال الذي عرض بعد هزيمة 67 وتتردد في الفيلم عبارة «جواز عتريس من فؤادة باطل» النقاد حللوا وقالوا إن عتريس هو عبد الناصر وفؤادة مصر، وأن الفيلم يدعو إلى طلقة بائنة بين الحكم العسكري ومصر، وتخوفت وزارة الثقافة من الفيلم إلا بعد أن شاهده عبد الناصر الذي قال وقتها موجها حديثه لوزير الثقافة ثروت عكاشة: «لسنا عصابة تحكم مصر يا ثروت»، وبالمناسبة يعرض حاليا فيلم متواضع وهو «الحرامي والعبيط» فسره البعض على نفس الطريقة. إنها مجرد ترهات في خيال عدد من النقاد، زبيب يضعونه على الخبز أو قليل من «الكاتشب» ليجعله «سبايسي»، وهذه المرة نقول لهم «دونت ميكس»!!.