هل تتطور علاقات مجلس التعاون مع إيران؟

TT

ظلت إيران على الدوام ترفع لواء تحرير فلسطين والقدس، في الوقت الذي تمارس هي الاحتلال للأراضي العربية منذ أكثر من أربعين عاما. وكانت تربط عداءَها للولايات المتحدة بأي حوار ممكن حول نزاع احتلالها لجزر الإمارات بالطرق السلمية.

وفي واقع الأمر فإن ادعاءات إيران بأن بريطانيا قد تنازلت لها عن الجزر الثلاث قبل إنهائها للمعاهدات مع دولة الإمارات وانسحابها من المنطقة عام 1971، غير واقعية لأن بريطانيا لم تكن لديها السيادة على المنطقة، رغم معاهدات الحماية التي أنهيت في حينه. كما أن (الشارقة) و(رأس الخيمة) لم تتنازلا عن سيادتهما عن الجزر الثلاث، حتى مع توقيع الاتفاق المبرم بين الشارقة وإيران! وبذلك لا يجوز لإيران احتلال الجزر بالقوة من دون أن يكون لديها سند قانوني أو دولي يمكنها من السيادة على الجزر الثلاث.

ولقد توالت الإجراءات الاستفزازية الإيرانية حتى بعد قيام مجلس التعاون عام 1981. ففي عام 1993 أجاز البرلمان الإيراني قانونا يمنع الحكومة من بحث السيادة على أي جزء من «أراضي الأمة»، بما في ذلك الجزر.

في مقابل ذلك، وفي ذات العام دعا الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تطوير علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، بما يعزز الثقة، و«بما تتخذه الجمهورية الإسلامية الإيرانية من إجراءات تنسجم مع التزامها بمبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية، واحترامها لسيادة ووحدة أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة، ولمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».

وردّ الرئيس الإيراني آنذاك (هاشمي رفسنجاني) على تلك الدعوة الهادئة والعاقلة بالقول: «إن من يحاول استعادة هذه الجزر عليه أن يخوض إليها بحرا من الدماء»؟!. لكن يبدو أن الرجل قد أعاد حساباته وعدّل قليلا من مواقفه تجاه مجلس التعاون.

دخل مجلس التعاون على خط النزاع وقوفا مع دولة الإمارات العربية المتحدة منذ الدورة الأولى لقمة أبوظبي عام 1981، حيث أكد قادة دول المجلس على أن «أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها، وأن هذا المجلس إنما يعبّر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها. كما أكدوا رفضهم المطلق لأي تدخل أجنبي في المنطقة، مهما كان مصدره. وطالبوا بضرورة إبعاد المنطقة عن الصراعات الدولية، وخاصة وجود الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية لما فيه مصلحتها ومصلحة العالم».

لكن الأحداث التي واكبت قيام المجلس غيّرت من خريطة التفاؤل، خصوصا الحرب العراقية الإيرانية، والتي ظل مجلس التعاون يطالب على الدوام بضرورة إيجاد حل سلمي لها. كما دعا المجلس في قمة الكويت عام 1994 إيران إلى أن «تساهم بالجهود التي ترمي إلى إيجاد حل يقوم على مراعاة حقوق الطرفين». وخلال السنوات التي تلت، ظلت لهجة (الخليجي) متزنة وواقعية لإنهاء تلك الحرب المدمرة، من أجل تحقيق تسوية شاملة ودائمة وعادلة للنزاع.

برزت قضية احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث من جديد بعد الإجراءات التي قامت بها إيران في جزيرة (أبو موسى) عام 1992، حيث عبّر المجلس عن «أسفه الشديد وقلقه البالغ للإجراءات الإيرانية غير المبرَرة، لما فيها من إخلال بالرغبة المعلنة لتطوير العلاقات بين الجانبين، وتعارض مع المبادئ التي تقوم عليها العلاقات بين دول المجلس والجمهورية الإسلامية الإيرانية».

وقد أقدمت إيران حينها على طرد العمال العرب والأجانب وأبناء الإمارات المقيمين في جزيرة (أبو موسى)، في الوقت الذي طرحت فيه دولة الإمارات – على منبر الأمم المتحدة – قضية احتلال إيران لجزرها الثلاث، وأعلن وزير الخارجية آنذاك (راشد بن عبد الله) أن دولة الإمارات العربية المتحدة ما زالت مستعدة لتسوية هذه المسألة بالطرق السلمية المنصوص عليها في المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار سيادة دولة الإمارات على الجزر الثلاث.

وظلت القضية عالقة حتى يومنا هذا. وظلت لهجة (الخليجي) هادئة نحو إيران، وبتأييد كامل لحق دولة الإمارات في جزرها الثلاث. وزاد من التوتر زيارة الرئيس (أحمدي نجاد) لجزيرة (أبو موسى) العام الماضي، وهي أرض محل نزاع. كما قامت إيران بمناورات عسكرية ضخمة في مياه الخليج في استعراض للقوة مقابل الدعوة الخليجية لحل نزاع الجزر المحتلة بالطرق السلمية.

وزاد من توتر العلاقة بين مجلس التعاون وإيران دخول هذه الأخيرة الحرب الدائرة في سوريا ووقوفها مع النظام السوري ضد تطلعات الشعب السوري في الكرامة والحرية! وهو مسعى طائفي أكدهُ وجود مقاتلين ومنسقين إيرانيين يعملون مع الجيش السوري. كما أيدته شحنات الصواريخ الإيرانية المرسلة إلى (حزب الله) والتي قصفتها إسرائيل قبل فترة. كما ينظر مجلس التعاون بعين القلق إلى الدور الإيراني في العراق، ومحاولة إيران تدعيم النزاع الطائفي في هذا البلد.

كما ظلت الولايات المتحدة - التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون - البعبع الأكبر لإيران، التي ما انفكت تناجزها وتهدّد بضرب مصالحها في المنطقة، في إشارة إلى حلفائها في دول المجلس.

إذن، يُفهم من هذا التأريخ السياسي الموجز أن إيران لم تبد أية مبادرة طيبة نحو حل النزاع مع دول المجلس، إلا إذا استثنينا عهد (محمد خاتمي) الذي حاول فتح صفحة جديدة في علاقات إيران مع دول المجلس، باتجاه تعديل أو تطبيع علاقاتها مع دول المجلس.

فهل يُقدم الرئيس الإيراني القادم على فتح صفحة جديدة؟! خصوصا أن مرشح الرئاسة (رفسنجاني) قد أشار إلى أن إيران بحاجة لبناء الدولة، وأن «سوء الإدارة في بلدنا دمرّ كل شيء»! وهل سيظهر من الـ(650) مرشحا من يقرأ أوراق التاريخ بوضوح؟! وهل من مصلحة إيران أن تبقى معزولة عالميا ومرفوضة إقليميا؟ وهل سيطول (نفس) الشعب الإيراني أكثر ويتحمل هذه الحالة غير الطبيعية في اتجاهات السياسة الإيرانية؟!