بين الإسماعيلية والدوحة .. محاكاة الأفكار أو إعادة نقدها ؟

TT

دوما ما كان الخليج محطة وصول للأفكار والتيارات التي تتبلور في منطقة الشام ومصر. انتقلت إليه أفكار ونماذج الحركات الإسلامية والقومية، واليسارية بنسختها العربية، ودائما ما كان ينتقد على التيارات الخليجية تلقيها لهذه الموجات بطريقة تفتقر للحس النقدي. لكن من ناحية أخرى لدينا تجربة في الخليج لم يسلط عليها الضوء بالقدر الذي تستحقه، هي تجربة التنظيم الإخواني في قطر. «الإخوان» في قطر نشأوا كسائر التنظيمات الإخوانية في الخليج بتأثر من وفود رموز إخوانية شامية ومصرية للخليج، إلا أن الفارق الهام في تجربتهم هو أن بعض القيادات الشابة الوطنية توقفت وبدأت تطرح الأسئلة على نفسها، تساءلوا عن رؤيتهم وعن واقعيتها، وهل هي مناسبة لبلدهم وواقعه الاجتماعي والسياسي، وما هي مصلحة المجتمع القطري في ذلك.

دفع ذلك المجموعة لإجراء مراجعات طويلة وعميقة استمرت عقدين من الزمان، وانتهت إلى قرار هام ومصيري، وهو ما يدل على جدية تلك المراجعات، كان القرار هو حل التنظيم بشكله الهرمي والاندماج على شكل تيار عام في مؤسسات المجتمع المدني.

قرار الحل هذا أثار جدلا واسعا على مستوى تنظيمات الإخوان في العالم العربي، لكن ما هو أخطر وقعا وأبعد أثرا علي جميع التنظيمات الإخوانية من هذا القرار المحلي، هو أن هذه التجربة علقت الجرس للجميع، بأن نقل التجربة الإخوانية من ظروف نشأتها الزمانية والمكانية كما هي لبلد آخر يملك تركيبة اجتماعية وسياسية مختلفة، أصبحت محلا للنقاش والتساؤل. كان هذا الامتداد الإخواني سابقا محميا من النقد الداخلي اعتبارا بأن العالم الإسلامي يملك تاريخا ومصيرا واحدا، بل إن شكل التنظيم والعمل الدعوي إنما هو شكل مقصود لذاته، مشتق في أصوله من فهم معين للسيرة النبوية، ومتجاوز لكل حدود زمانية ومكانية، فهناك يقين لا يتم التساؤل حوله عادة في دواخل حركة الإخوان - كما يشير صلاح الدين الجورشي على سبيل المثال - «وهو أن منهج الدعوة الذي تطبقه الجماعة ليس عملا اجتهاديا بشريا، بل هو جزء من الوحي».

ما هو مهم هنا ليس ناتج المراجعات، وهو قرار الحل للتنظيم، بل ذات المراجعات التي يحتاجها كل تيار فكري وسياسي، ليتجاوز بها عملية المحاكاة لواقع مختلف عن واقعه. القدرة على التساؤل عن الرؤية والجدوى والمناسبة للسياق المحلي هي اللافت للنظر في هذه التجربة.. يقول عراب هذه المراجعات جاسم سلطان: «في التجربة الخاصة بنا وجدنا أن الدولة لا تحتاج إلى هذا النمط من التنظيم، وأن المجتمع لا يحتاج لهذا النمط، وهذا أمر غير معمم في كل المجتمعات؛ فكل مجتمع له ظروفه الخاصة».

ما ينطبق على التيار الإسلامي ينطبق على بقية التيارات الفكرية، مجال الآيديولوجيا والأفكار ليس مجال نقل مجرد متجاوز للسياقات المختلفة، فالنجاعة مرهونة لحد كبير بالقدرة على تمثل جوهر الأفكار وفق السياقات الخاصة. هذه القدرة لن تمتلكها تيارات ليس لديها عقول كبيرة تراجع منظومتها، ولا اطلاع على واقعها المحلي تفرز به تجربتها عن تجربة غيرها.

من الطريف في هذا السياق ما قاله أحد إسلاميي الجزائر حين شكا أن شباب الحركة في وهران يجلسون داخل بيوتهم يتداولون تاريخ «الإخوان» في الإسماعيلية، وهم لا يعرفون شيئا كثيرا عما يجري خلف الحائط الذي يستندون إليه.