الفبركة في عصر «المعلومات»

TT

كما فتح عصر الإنترنت والمواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي آفاقا غير مسبوقة في المعلوماتية وسرعة تداول المعلومات بين العالم كله مهما كانت المسافة الجغرافية، فإنه خلق مجالا لسوء فهم في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى كثيرة اُستغل في تمرير معلومات أو أخبار معينة سواء لأفراد أو منظمات أو حتى أنظمة، عن طريق القرصنة أو ترويج شائعات في بعض الأحيان تسري انتشار النار في الهشيم، وتحدث ضررا قبل أن يكتشف الجميع الفبركة الخبرية أو المعلوماتية التي حدثت.

وأحدث مثال على ذلك ما وقع الأسبوع الماضي عندما وجدت السوق المالية في وول ستريت نفسها في تصادم مع مواقع التواصل الاجتماعي عندما جرى اختراق حساب «تويتر» لوكالة الأنباء العالمية الموثوقة التي تتمتع بسمعة دولية مرموقة، وتستخدم أخبارها تقريبا كل المؤسسات الإعلامية الكبرى في العالم.

الخبر الذي وضع على حساب الوكالة على موقع «تويتر» وأعلن لاحقا ما يسمى الجيش السوري الإلكتروني المرتبط بالنظام في دمشق مسؤوليته عنه، كان أن البيت الأبيض تعرض إلى قنبلتين، وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما أصيب في الانفجار.

في ثوان انتشر الخبر قبل أن تصححه الوكالة سريعا ليهوي مؤشر «داو جونز» الرئيس في وول ستريت الذي يقيس أداء أكبر 30 شركة أميركية 149 نقطة تساوي عشرات المليارات من الدولارات، وتضطر الوكالة إلى إصدار بيان لتوضيح اختراق حسابها، وينفي البيت الأبيض، ويؤكد المتحدث باسمه أنه كان مع الرئيس منذ قليل، ولم يحدث شيء.

عادت السوق المالية وصححت وضعها بعد دقائق من الهبوط الحاد، لكن الواقعة طرحت تساؤلات حول مدى تأثر السماسرة والسوق بالأخبار العاجلة التي تأتي على مواقع التواصل الاجتماعي واتخاذهم أحيانا قرارات بالشراء والبيع اعتمادا عليها قبل التأكد من صحة هذه المعلومات، وهو جزء من الأعراض الجانبية لعصر التداول السريع للمعلومات الذي وفرته الأدوات والمواقع الإلكترونية، ووفرت آفاقا هائلة لعالم الأعمال، لكنها أيضا خلقت جيشا من القراصنة المتربصين لأي فرصة هنا أو هناك.

قد تكون هذه الواقعة هي الأبرز من حيث الضرر المادي الذي وقع في السوق المالية الحساسة لأي أخبار سلبية، لكن هناك سجلا طويلا لعمليات اختراق لوضع أخبار مزيفة أو تسريب أخبار حقيقية.

المهم بالنسبة لأي مزيف أو مخترق يريد ترويج مثل هذه الأخبار أو الشائعات هو أن تلتقط مؤسسة إعلامية أو صحافية معروفة مثل هذا الخبر، وتعيد بثه، وقتها فقط يبدأ المتلقون في التعامل معه بجدية، والتفاعل معه قبل أن تكشف الوقائع حقيقته. وأحيانا يكون ذلك مقصودا بترويج خبر صغير من قبل موقع أو وسيلة إعلامية مغمورة في أقصى أنحاء الأرض، ثم بطريقة أو بأخرى يجري لفت الانتباه له لتلتقطه وسيلة إعلامية رئيسة ليصبح لفترة قصيرة خبرا يجري تدويره من دون أن يكون له أي أساس.

وقد يكون أطرف ما وقع عندما نقلت وكالة إيرانية محلية ما تصورت أنه تقرير حقيقي عن موقع أميركي معروف ساخر العام الماضي، أن أغلبية أهل الريف الأميركي حسب تقرير استطلاع رأي لمؤسسة استطلاعات شهيرة، سيصوتون في انتخابات لصالح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأنهم معجبون بشخصية أحمدي نجاد، وبعدها بيوم نشرت صحيفة صينية ما قالت إنه تقرير أميركي يشير إلى أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ هو أوسم رجل على قيد الحياة. وبالتدقيق اكتشف أن مصدر التقرير واحد، وغاب عن الذين نقلوا عن الموقع الأميركي، أنه يشتهر في الولايات المتحدة بالطريقة الساخرة لتقاريره وأخباره، وهو ما لا يعرفه الذي اكتشف ونقل التقرير، ولأنه يناسب الهوى الآيديولوجي أو السياسي له فقد نقله فورا من دون أن يمحص ويجري البحث المناسب في هذه الحالات.

ومن الغرائب أيضا عندما تناقلت مؤسسات إعلامية تقريرا منسوبا لمنظمة الصحة العالمية بأن الجنس الأشقر سينقرض من العالم بعد 200 عام نتيجة انخفاض المواليد في الدول الغربية، والهجرات التي غزتها من أعراق أخرى، ولم تصدر المنظمة أي تقرير مثل هذا، ولا يعرف حتى المصدر الذي بدأ بترويجه، وكيف أصبح تقريرا.

قد تكون هذه الفبركات أو الأخطاء هي الأعراض الجانبية السلبية لعصر التداول السريع للمعلومات، مثلها مثل عمليات اختراق أنظمة إلكترونية لمؤسسات مالية، لكن الجانب الآخر، وهو الجانب الأكبر بكثير، إيجابي سواء من حيث فرص التوثيق أو البحث عن المعلومات أو فرص الأعمال التي أتيحت بسبب الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وكما أن لكل عصر تحدياته المختلفة عن سابقه، فقد يكون التحدي في عصر الديجيتال هو التدقيق وحماية الحسابات من الاختراق، ومواجهة جرائم القرصنة الإلكترونية.