الشكوى هي الشكوى من الزحمة

TT

في عام 1937، لو قدر لك أن تزور العاصمة السعودية الرياض، فستراها بلدة نجدية وادعة، ببيوتها الطينية، وبساتين النخيل المحفة بها، لكنها تحتضن مركز القرار في شبه قارة واسعة اسمها المملكة العربية السعودية، حيث مقر ملك البلاد وقائد التأسيس الملك عبد العزيز.

لو قدر لك أن تزورها هذه الأيام، فسترى مدينة هائلة الاتساع، صاخبة الصوت، تختنق شوارعها بالسيارات، يشكو أهلها من الزحام والضجيج، سترى شرايينها الرئيسة تصطف على جنباتها الأبراج التجارية الشاهقة، المشيد منها، والذي سيُشيد.

لكن، لماذا هذه السنة تحديدا 1937؟

ثمة كتاب لطيف قرأته بعنوان (يوميات الرياض)، من مذكرات الأستاذ أحمد علي بن أسد الله الكاظمي، مساعد مدير مدرسة أمراء بالرياض، من منشورات (دارة الملك عبد العزيز) في السعودية، المنشور هو الجزء الأول منه.

أحمد علي بن أسد الله الكاظمي، من رواد التعليم والتربية في السعودية، وقد قدم من مكة ضمن بعثة رأسها إمام الحرم الشيخ عبد الله خياط إلى الرياض لإنشاء مدرسة لتعليم أبناء الملك عبد العزيز، بطلب من الملك، وروى أثناء سنين إقامته في الرياض جانبا من التاريخ الاجتماعي والثقافي والعمراني في مدينة الرياض، التي شاهدها بعينيه ودوّنها في مذكراته.

يذكر الكاظمي أنه أثناء الزيارة المعتادة للملك عبد العزيز، وذلك بعد أن انتقل إلى قصر (المربع) شمال الرياض (الآن وسط الرياض)، أنه كان يهتم بهؤلاء المعلمين كثيرا ويكرمهم، ويباسطهم، ومن ضمن محادثاته لهم يشير الكاظمي إلى محادثة تمت في 3 - 6 - 1357هـ بعد أن احتسوا القهوة في مجلسه، ثم أصغوا إلى الدرس اليومي المعتاد في السيرة وتفسير القرآن. يقول الكاظمي بالنص: «ثم أخذ جلالته يحدثنا عن جو الرياض، وحالة الرياض، وتغير أهلها عن ذي قبل».

لنتذكر فقط أن عدد سكان الرياض عام 1944، حسب بعض التقديرات المعاصرة، كان بحدود خمسين ألف نسمة، والآن أقل التقديرات تتحدث عن 4.6 مليون نسمة، 67% منهم سعوديون.

هذا الانفجار السكاني الضخم، ليس خاصا بالرياض ولا بالسعودية، بل هو ظاهرة عالمية؛ فمثلا هناك تقديرات تتحدث عن أن عدد سكان العالم عام 1650 كان نحو 500 مليون، ليتضاعف إلى مليار عام 1850. وفي عام 1927، وصل عددهم إلى مليارين، وحاليا 7 مليارات نسمة في 2012.

دعونا من إزعاج الأرقام، هذا ماذا يعني؟

بوضوح، يشكل تحديا كبيرا على الموارد الغذائية ومصادر الطاقة، كما يعني تصارع البشر على كل شيء، من شربة الماء، إلى قطعة الخبز، إلى أرض البيت، إلى موقف السيارة حتى..

الحل في فرض النظام وترشيد الموارد، وفتح أفق جديد للنمو.

الأرض تميد بوطأة الأرجل الكثيرة عليها، لكن الرهان على من يحسن التعامل مع الزحام؟