قهوة تركي.. سادة!

TT

منذ اندلاع مظاهرات اسطنبول والكثيرون يحاولون تفسير ما حدث ومحاولة «فهم» أسباب قيام الأتراك بالتظاهر ضد حكومتهم. ظاهريا وبحسب المعلن، فإن الأتراك قاموا بالتظاهر احتجاجا على قيام الحكومة التركية بنزع مجموعة من الأشجار في حديقة عامة لأن المكان سيحل محله موقع تجاري ويعاد أيضا فيه بناء قلعة عثمانية أثرية قديمة. هذه هي الأسباب «الأساسية» التي جرى تناقلها وتداولها لتفسير ما حدث. وانقضت بعض أحزاب المعارضة في لحظة «ثأرية» لتركب الموجة وتستغل الظرف لتنادي بتغيير النظام، ودخل على الخط بكل عنجهية النظام الكاريكاتيري في سوريا بزعامة بشار الأسد معلقا بأن نظام أردوغان يتعامل مع شعبه بكل عنف وعليه أن يستجيب للمطالب ويتنحى، وأضاف بعد ذلك أن سوريا تنصح وتحذر مواطنيها بعدم الذهاب إلى تركيا وذلك لخطورة الوضع وأن سلامتهم ستكون معرضة للخطر الشديد. ولا يمكن التعليق على تصريحات حكومة الأسد إلا كما قال أحد السوريين لي وهو يتابع ذلك على القنوات الإخبارية الفضائية قائلا: «يخرب بيتن.. شوغلاظ وبلا ناموس»، ولكن هل «مظاهرات» الأتراك طبيعية، ثورة، أم هناك دوافع خارجية لذلك؟ بلد يحقق مداخيل اقتصادية محترمة، وتم رفع متوسط دخل الفرد فيه من 3 آلاف دولار إلى 11 ألف دولار خلال عقد من الزمان، وفي وقت تحولت فيه بالتدريج تركيا من ذيل القارة الأوروبية إلى قائدة للعالم الثالث، وباتت الصناعات التركية مضربا للأمثال في الجودة والسعر والإتقان، وكذلك الأمر بالنسبة للخدمات التركية التي جعلت تركيا مقصدا سياحيا أساسيا، وكذلك تحولت خطوط طيرانها إلى إحدى أهم الناقلات الجوية في العالم وانعكس ذلك الأمر بشكل واضح على قطاعات أخرى في تركيا، لينتشر المطبخ التركي بشكل مدهش وهو المعروف بأطباقه الطيبة، وكذلك انتشرت المسلسلات التركية والموسيقى والكتب الأدبية حتى نال أحد أبرز كتابها جائزة نوبل في الآداب، وأصبحت فرقها الكروية من أهم الأندية الرياضية في القارة الأوروبية العتيدة. وبالتدريج قويت تركيا ونضجت سياسيا وتمكنت من تبوؤ مكانتها بجدارة وسط أهم عشرين قوة اقتصادية حول العالم، ونالت احترام العالم وتقديره، وحلت ببراعة مشكلة «الأكراد» المعقدة وسحبت التسليح منهم وأنهت الخيار العسكري معهم، ليكون الحل السلمي المسلك الوحيد للحل، وهي المسألة التي كادت تهلك الأمن والسياسة التركية.

ودخلت تركيا منذ سنتين وبقوة من باب مسؤولية «نصرة الجار» في دعم الثورة السورية التي قامت ضد نظام بشار الأسد الإجرامي ونصحت الرئيس السوري بشار الأسد المرة تلو الأخرى ولم ينصع، وتحول هو ونظامه إلى آلة قتل بحق شعبه حتى تجاوز عدد من قتلهم المائة ألف، ولم يكتف بذلك بل استعان بقوات مأجورة مثل ميليشيات حزب الله وقوات من إيران والعراق ليساعدوه في مهمته الدموية، وساعدت تركيا اللاجئين والنازحين السوريين لديها ودفعت الثمن باضطرابات على حدودها وإطلاق صواريخ عليها وإسقاط طائرات لها واغتيال جنودها.

الجهتان الوحيدتان المستفيدتان من أحداث تركيا (إن لم نقل المتعاونتان في هذه الأحداث) هما نظام بشار الأسد وإسرائيل، وهما متفقان معا بشكل غير مباشر على أن نظام الأسد وأمنه من أمن إسرائيل، قالاها في أكثر من مناسبة بأشكال مختلفة. واليوم في تركيا «يجري» تحريك عناصر غريبة من مناطق محددة (بقيادة علوية من حزب معارض) وهذه القيادة تقف بقوة ضد مساندة ثوار سوريا وتصر على تأييد الأسد.

قد يكون في هذه الخلفية تفسير لما حدث في تركيا وإدراك أن خبث نظام الأسد كالسرطان، كما طال جيرانه في العراق والأردن ولبنان يطال أيضا تركيا وخصوصا حينما ندرك أنه لا يتحرك وحده ولكن تسانده جيوش أخرى من الشر.