غلطة حزب الله

TT

عندما غزا صدام حسين الكويت عام 1990. عمد في سياق خطاباته وضمن مبرراته وحججه لإقناع الناس بما لا يمكن الاقتناع به، إلى إقحام فلسطين في الأمر وقال: إنه سيصلي في القدس وإنه يتصدى لمؤامرة ضد العراق. حسب كثيرون أن صدام ضل الطريق لأن الطريق إلى فلسطين لا يمر بالكويت، ولا باحتلال بلد عربي لبلد شقيق.

وعندما تحدث حسن نصر الله زعيم حزب الله قبل أيام عن مبرراته لإقحام مقاتلي حزبه في الحرب السورية، تحدث عن مؤامرة وعن الدفاع عن المقاومة، فبدا هو الآخر وقد أضاع البوصلة لأنه طالما تحدث في السابق عن سلاح حزبه المصوب باتجاه إسرائيل وليس باتجاه القصير أو دمشق.

لا يهم أن صدام كان زعيما سنيا، وأن نصر الله قائد شيعي، فكلاهما أقحم مفردات المقاومة والمؤامرة وفلسطين لكسب الناس، وللتغطية على المبررات الحقيقية لإرسال المقاتلين للحرب في بلد عربي آخر. وفي الحالتين كان التدخل مغامرة مكلفة، دفع صدام ثمنها، وأحسب أن نصر الله أيضا سيخسر كثيرا من جرائها.

زعيم حزب الله بكل براعته وموهبته الخطابية، لم يستطع التغطية على أن الحرب السورية باتت حربا طائفية، ولم ينجح في طمس الحقيقة باجترار وتكرار شعار الدفاع عن المقاومة. وكان لافتا أن خطاب نصر الله، جاء بعد أيام معدودة من حديث بشار الأسد عن أنه يريد فتح باب المقاومة وتحويل سوريا كلها إلى بلد مقاوم، وكأن سوريا تذكرت المقاومة فجأة بعد اندلاع الحرب فيها رغم كل الخطب السابقة عن «محور المقاومة» و«دول الصمود».

نصر الله في سعيه لتبرير الزج بقواته في الحرب السورية قال: إن سوريا (وهو في الواقع يقصد نظام الأسد) هي ظهر المقاومة، وإن المسألة بالنسبة لحزب الله هي حياة أو موت. بالمنطق ذاته فإن ظهر حزب الله سينقصم إذا خسر مقامرته الراهنة التي وضعته في مواجهة سنة سوريا والمنطقة، وفي أتون حرب طائفية لها أبعاد إقليمية ودولية، وستكون لها انعكاساتها أيضا على لبنان الذي انتقلت المواجهات إليه وقد تقوده نحو هاوية حرب أوسع.

هذا ليس الخطأ الوحيد الذي ارتكبه نصر الله بدفعه لقواته للقتال في سوريا. فليس سرا أن هناك أطرافا لبنانية وإقليمية ودولية، تنادي منذ زمن بنزع سلاح حزب الله لأسباب متباينة. كان الحزب يرد دائما بأنه متمسك بسلاحه لأنه سلاح مقاوم ضد إسرائيل. تزايدت الدعوات لنزع سلاح الحزب بعد اغتيال الحريري، ثم بعد يونيو (حزيران) 2006 عندما وجه سلاحه نحو الداخل.

اليوم وقع حزب الله في أخطر مطب بانجراره إلى الحرب السورية. فإذا كان هناك من يريد ضرب الحزب، فقد انجر إلى حيث يمكن ضربه، ووضع سلاحه في معادلة لا يمكن أن يخرج منها رابحا، سياسيا أو عسكريا أو حتى طائفيا، لأن هناك أصواتا شيعية مؤثرة تنتقد قرار نصر الله وترفض المشاركة في القتال ضد المعارضة السورية، وتحذر من التداعيات على وضع لبنان الهش.

هناك الكثير من المؤشرات والحسابات التي ترجح إطالة أمد الحرب التي دخلت عامها الثالث، وهناك أطراف مستفيدة من إطالتها ما دام أنها تحدث المزيد من الإنهاك في الجسد العربي المنهك أصلا بسبب تشرذمه وصراعاته. المنطق يقول إن نظام الأسد سيسقط لا محالة بعد كل الدماء التي سكبت، والدمار الذي حدث، والشروخ التي حدثت في النسيج السوري، ناهيك عن الدعم الواسع الذي تلقاه المعارضة. صحيح أن نظام الأسد مدعوم أيضا لكن ميزان القوى ليس لصالحه، ولولا ضعف المعارضة وخلافاتها، وحسابات بعض القوى التي تجد مصلحة في إطالة أمد الحرب، لكان قد سقط منذ فترة. ومع استمرار الحرب فإن سوريا سوف تنهك وتنضم إلى قائمة الدول الأخرى في المنطقة التي أنهكتها حروبها الداخلية، أو ثوراتها التي لم تكتمل فانتهت إلى التناحر والفوضى.

الوضع بالنسبة لحزب الله سيكون أكثر تعقيدا حتى إذا حدث المستحيل وتمكن نظام الأسد من البقاء. فمزيد من القوة سيعني مزيدا من التعقيدات في لبنان، وبالتالي مطالب أكبر بنزع سلاح الحزب الذي سينظر إليه كثيرون في الداخل والخارج على أنه أصبح مصدر خطر أكبر، وبالتالي لا بد من تحجيمه وعزله. أما إذا سقط الحليف السوري، فإن ظهر حزب الله سيكون قد قصم، إذا استخدمنا المفردة التي استخدمها نصر الله. سيكون الحزب قد خسر أعدادا كبيرة من مقاتليه، واستنزف سلاحا لن يستطيع تعويضه بسهولة، وفقد تعاطفا ربما كسبه في السابق في العالم العربي عندما كان يمكنه رفع ورقة المقاومة التي سقطت الآن في أتون الحرب الطائفية في سوريا.

[email protected]