حرب سرية على الهواء!

TT

مصر لا حديث لها، وحق لها، يعلو حديث الخطر على النيل، شريان الحياة المصرية، بعد بناء إثيوبيا دولة المنبع لسد «النهضة» الذي سيحول مجرى النيل الأزرق، لأول مرة في تاريخ الأرض، بفعل إنساني.

تنادى أهل الرأي، والساسة في أرض الكنانة، لبحث الأمر، وتقليب الاختيارات، ودعا المختلفون إلى نسيان الخلاف مع السلطة الحاكمة. في هذا الجو دعت الرئاسة المصرية ثلة من المشتغلين بالسياسة، إلى التشاور، في ما يشبه مجلس الحرب، ماذا نفعل مع إثيوبيا المعتدية على مياهنا؟!

طرحوا آراء معقولة، لكن طرحت أيضا آراء تحتاج إلى نظر. قال بعضهم: «نرسل طائرات حربية ولو من باب التهويش»، وقال بعضهم: «نرسل مغاوير خلف خطوط العدو، وعناصر استخبارات». قال بعضهم: «بل نفتح معبر رفح للنكاية بإسرائيل، حليفة إثيوبيا». وتحدث القوم بشفافية وجرأة، فالقصة قصة حرب، والرأي يجب أن يكون صريحا، ما دام النقاش سريا، بين أهل الدار.

لكن كيف يدار نقاش من هذا النوع «الحربي» على الهواء مباشرة؟ وهل إثيوبيا لا يمكن أن تسمع آذانها، وتبصر عيونها، جلبة أهل الكنانة وغضبهم؟

السياسي أيمن نور من حضور هذا اللقاء «الخطير» شاطر أهل الإعلام استغرابهم، وقال لصحيفة «اليوم السابع» المصرية: «الحضور في اجتماع الرئيس بخصوص أزمة مياه النيل، وسد إثيوبيا، لم يكونوا على علم بأن الحوار مذاع على الهواء مباشرة». وقال إن هذا الأمر أثار دهشته بعدما علم به: «لأنه من المفترض أن الحديث حول أزمة يجب ألا يعلمه الطرف الآخر».

اندهاش نور مفهوم، لكن هل كانت الكاميرات المنصوبة مطلية بمادة سحرية تخفيها عن الأنظار مثلا.. أو ربما كان الحضور يظنون أن التصوير هو فقط لزوم التوثيق والأرشفة الحكومية، ثم تحفظ هذه التسجيلات والجلسات السرية الخطيرة في حرز مكين لا تمسسه يد إنس ولا جان؟!

الحق أن الأحباش ليسوا بحاجة إلى التكلف في التعرف على ردود فعل المصريين أو السودانيين، كما أن المصريين والسودانيين أيضا ليسوا بحاجة إلى التكلف في ذلك تجاه الأحباش.

لم يعد ثمة كثير من الأسرار في هذا العالم، خصوصا مع جهود الأستاذ «أسانج» المتواري عن الأنظار، صاحب «ويكيليكس»، الذي ينشغل حاليا، من مقره في سفارة الإكوادور في لندن، بالتفرج على فيلم صُنع عنه، ولم يعجبه، بسبب عدم استئذان المخرج منه في بعض التفاصيل!

ليس من أسرار ولا مفاجآت، وحسنا فعلت السلطة المصرية ببث هذا اللقاء على الهواء، منعا لجموح الخيال، وتصور أن هناك كارثة حربية ستحل في شرق القارة الأفريقية.

سلام على مصر.. ونيلها الخالد.