نقص الأدوية مشكلة عالمية

TT

رغم ارتفاع سقف التوقعات والمطالبات، لا تستطيع أقوى أنظمة تقديم الرعاية الطبية أن تقدم كل ما هو مطلوب منها حينما تظن أن بإمكانها الاعتماد المجرد على إمكانيتها والدعم المادي لها. تلك حقيقة تتوالى شواهدها كل يوم ومن جميع دول العالم، وخاصة من الدول الأكثر تقدما في أنظمة الرعاية الطبية.

ولذا، لا يوجد حتى اللحظة في العالم نظام لتقديم الرعاية الطبية يمكن وصفه بأنه «ما تخرش منه الميه». وقبل بضعة أسابيع، وتحت عنوان «أخطاء طبية لا يجدر أن تحصل مطلقا»، تم عرض نتائج معدلات وقوع «النوعية شديدة الخطورة» من الأخطاء الطبية بالولايات المتحدة، ومنها 40 حالة تحصل أسبوعيا لأخطاء من نوعية نسيان أدوات العمليات الجراحية داخل جسم المريض! و40 أخرى أسبوعيا لأخطاء من نوعية إجراء العملية الجراحية في الجهة الخطأ أو العضو الخطأ من الجسم!

وفي جانب التموين الطبي، وبالأدوية المهمة تحديدا، لا تستطيع أقوى أنظمة تقديم الرعاية الطبية التغلب على الصعوبات المتعلقة بتوفير الأدوية. وفي الثالث من يونيو (حزيران) الحالي، وضمن فعاليات المؤتمر السنوي للمجمع الأميركي لطب الأورام السرطانية الإكلينيكي American Society of Clinical Oncology بشيكاغو، عرض الباحثون من جامعة بنسلفانيا نتائج دراستهم الإحصائية حول معاناة الأطباء شح توافر الأدوية الضرورية لمعالجة مرضى السرطان في المستشفيات الأميركية. وتبين أن 4 من كل 5 أطباء أورام سرطانية بالولايات المتحدة عانى نقصا في تلك الأدوية الأساسية في الفترة ما بين مارس (آذار) وسبتمبر (أيلول) لعام 2012، وهي الفترة التي تمت دراسة واقع توفير الأدوية السرطانية خلالها. واعترف الأطباء المشمولون بالدراسة بأن ذلك كان نقصا ذا تأثيرات مهمة على نوعية معالجة مرضى السرطان، وأدى أيضا إلى ارتفاع مجمل التكلفة المادية لمعالجتهم.

وعلق الدكتور كيرثي غوغيني، الباحث الرئيس في الدراسة وطبيب الأورام السرطانية بالجامعة المذكورة، بالقول إن «نقص وشح توافر الأدوية لا يزال مشكلة مستمرة ومنتشرة، وهو ما تتأثر به معالجة الأمراض السرطانية القابلة للمعالجة بالأدوية، وهو ما يجبر الأطباء على تغيير المعالجة بطريقة ارتجالية». وتحديدا، قال 83% من الأطباء المشمولين في الدراسة إنهم لم يتمكنوا من تقديم المعالجة الكيميائية النموذجية standard chemotherapy لمرضاهم أولئك. ويعتبر توافر الأدوية بالولايات المتحدة مشكلة تفاقمت منذ 2006. وكان الرئيس باراك أوباما قد أمر إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 باتخاذ تدابير تصحيحية حينما بلغت المشكلة تلك في ذلك العام مستويات عالية all - time high، وطال 200 نوع من الأدوية آنذاك وصف توافرها بأنه «عرض محدود» limited supply. ورغم عمل الـFDA)) على اتخاذ التدابير المنطقية والممكنة، لا يزال أطباء الأورام السرطانية يواجهون الصعوبات في معالجة مرضاهم بالأدوية اللازمة لذلك.

وعرض الباحثون قائمة للأدوية الأشد تأثرا بنقص التوافر، وأحدها عقار 5 - فلورويوراسيل، وهو أحد الأدوية الموصوفة طبيا بأنها «حجر الزاوية» في عملية معالجة أورام الجهاز الهضمي الذي تبلغ تكلفة الجولة العلاجية one treatment round به 28 دولارا. وإزاء نقص توافر هذا العقار، يضطر الأطباء إلى اللجوء لاستخدام عقار بديل تبلغ تكلفة الجولة العلاجية له 3900 دولار.

وعلق أيضا الدكتور لين ليتشنفيلد، نائب كبير المسؤولين الطبيين بالمجمع المذكور، بالقول: «عدم توافر الدواء حينما تحتاجه بالفعل، مشكلة حقيقية واضحة». ذلك أن ضمن نتائج الدراسة تبين للباحثين أن 43% من الأطباء اضطروا إلى تأخير معالجة مرضاهم، بكل ما يعني ذلك من آثار مستقبلية سلبية على المرضى المصابين بالأورام السرطانية. وفي 30% من الحالات، لم يتم إعطاء المريض لا العلاج الدوائي اللازم ولا البديل! وفي 40% من الحالات، قام الأطباء بإعادة تقييم المرضى لانتقاء بعض منهم دون آخرين لتلقي ما هو متوافر من تلك الأدوية.

وعودة على بدء، لا تستطيع حتى أفضل أنظمة تقديم الرعاية الطبية في العالم أن تقدم كل ما هو مطلوب منها، وحتى لو كانت مدعومة ماديا وغير مادي، وهو ما سيتسبب في آثار سلبية على المرضى لا محالة.

والسؤال، ما الحل؟ والجواب: لا حل من نوعية «الحل بتوفير مزيد من الدعم المادي»، إذ إن الحلول تبدأ من عدة نقاط. نقطة الإنتاج إحداها، وتشمل إنشاء مصادر محلية جديد لإنتاج الأدوية. نقطة وضع برامج لصياغة «بروتوكولات المعالجة الأفضل» Best Practice Protocols تتضمن حلولا علاجية تختار عددا من البدائل ذات التأثيرات الفعالة في معالجة المرضى. نقطة الاستخدام الأمثل للموارد الدوائية، وتطبيقاتها لا حصر لها في حسن التدبير لمعالجة المرضى. نقطة المشاركة في استخدام المستشفيات لأدوية تتوافر في مستشفيات أخرى ولا يحتاج إليها من خلال سجل شامل لجميع الأدوية المتاوفرة في منطقة ما والمرضى في تلك المنطقة، وتسهيل إجراءات التعاون.

إن أنظمة تقديم الرعاية الطبية تنجح حينما تكون لديها قدرات ذات مرونة عالية في التعامل مع الأزمات، وفي توظيف الخبراء ذوي القدرات الذهنية الخلاقة في ابتكار الحلول السريعة لإدارة الأزمات.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]