إيران: ثمانية أقزام من دون الأميرة «سنو وايت»

TT

في طهران، يطلقون عليهم اسم الأقزام الثمانية. ربما تكون هذه التسمية مجحفة. وعلى الرغم من كونهم غير معروفين للعديد من الإيرانيين، فإن الرجال الثمانية يخوضون سباق الانتخابات الرئاسية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية بوصفهم شخصيات بارزة داخل النخبة الضيقة التي سيطرت على سياسات إيران على مدى ثلاثة عقود. من هم هؤلاء الرجال؟ وهل ستشكل هوية من سيدخل القصر الرئاسي في شارع باستور الشهر المقبل اختلافا؟

تجمع المرشحين الثمانية سمات مشتركة. فجميعهم رجال، فيما تمثل النساء غالبية سكان إيران. ويعتبر متوسط عمر المرشحين الثمانية 25 عاما، وهو أعلى من المتوسط بالنسبة لسكان إيران.

إن المرشحين الثمانية موظفون حكوميون، ومعظمهم يعمل بالحكومة منذ بداية حياتهم الفعلية.

كان جميعهم، باستثناء اثنين، أعضاء بقوات الحرس الثوري الإسلامي، في فترات مختلفة. واثنان من المرشحين لواءان متقاعدان بقوات الحرس الثوري الإيراني. يرتبط ثلاثة بعضهم ببعض، وعبر صلة المصاهرة، بـ«المرشد الأعلى» علي خامنئي. ويرتبط أربعة آخرون بالعديد من الملالي عبر صلات الدم أو المصاهرة.

وينتمي جميع المرشحين، باستثناء اثنين، إلى الطبقة المتوسطة، الأمر الذي مكنهم من الحصول على درجات علمية أعلى، في فترات ما في الغرب، تحت حكم الشاه.

ويتباهى جميع المرشحين باستثناء مرشح واحد بكونهم «دكاترة» يحملون شهادة الدكتوراه في مادة ما. حتى أن الملا الوحيد بين المرشحين يروق له أن يوصف باسم «أغاي دكتور»، وليس بلقب ديني مثل «حجة الإسلام» أو «آية الله». ويفضل العسكريون بين المرشحين أيضا لقب «دكتور» على لقب «لواء». ويكمن السبب في أنه من منظور العديد من الإيرانيين، بدأت تضعف الثقة بالألقاب الدينية والعسكرية بدرجة ما. ويسلط ثلاثة مرشحين الضوء بشكل مبالغ فيه على حقيقة أنهم حصلوا على جزء من شهاداتهم العليا في الولايات المتحدة أو بريطانيا.

وعلى الرغم من أنه جرى توظيفهم من قبل الحكومة، فإن المرشحين الثمانية جميعهم يشاركون في أنشطة عمل خاصة. وتتنوع هذه الأنشطة ما بين امتلاك فنادق وشركات بناء إلى صحف إلكترونية.

وقد صدرت مذكرات اعتقال دولية بحق اثنين من المرشحين الثمانية لمشاركتهما في اغتيال المنفيين السياسيين الإيرانيين في برلين وباريس. وفي حالة انتخاب أي منهما، فقد يواجه صعوبة في السفر للخارج. وليست ثمة حاجة للقول إن المرشحين الثمانية جميعهم يتحدرون من الخلفية الآيديولوجية نفسها. وهي عبارة عن مزيج عشوائي من الشعارات اليسارية والعقد العالم ثالثية وسوء الفهم لرسالة المسيح المنتظر (المهدي المنتظر). ويضاف إلى هذا نفحة ذات ملامح دينية مغلوطة. وكان أبو هذه العقيدة الغريبة بعض الشيء (روح الله الخميني) الذي يغلب على شخصيته الميل التحريكي على حساب المنهج العقدي. رجل لا يملك سوى قدر محدود من المفردات ولم يتمكن قط من الإلمام باللغة الفارسية أو العربية، لكنه كان ذا قدرة عجيبة على التبسيط، وهو ما ساعده في تطوير خطاب مانوي ما زال يلقى قبول هؤلاء الباحثين عن إجابات بسيطة عن أسئلة عويصة.

ومع ذلك، فإن الثمانية مرشحين يمثلون اتجاهات مختلفة في النطاق الآيديولوجي نفسه. يبدو أن سعيد جليلي - أصغر المرشحين الرئاسيين والرجل الذي ينظر إليه بشكل عام باعتباره المرشح المفضل لخامنئي، مع أنني لا أتفق مع ذلك الرأي - هو الأكثر صدقا وإخلاصا في تبني «النهج الخميني المحض». ومع هذا، فقد يرجع ذلك إلى الافتقار إلى الخبرة السياسية، إن لم يكن السذاجة التامة. ويتمثل أكثر المرشحين تعقيدا في محمد رضا عارف الذي يتظاهر بأن النهج الخميني يمكن تفسيره بأنه نسخة إسلامية من الديمقراطية المسيحية.

وقد نأى المرشح علي أكبر ولايتي بنفسه عن التلافيف والتعقيدات الآيديولوجية. وبدلا من ذلك، يحاول إظهار نفسه بوصفه شخصا موثوقا به للتفاوض على انتشال إيران من مأزق السياسة الخارجية الذي وضعت نفسها فيه. ونظرا لافتقاره الكاريزما، فسيكون مرشحا مثاليا متعدد المهام بالنسبة لخامنئي.

لم يعرض أي من المرشحين الثمانية أي برنامج اقتصادي، مع أن جميعهم يزعمون أن إصلاح الاقتصاد المنهار على رأس أولوياتهم. ربما يرجع الافتقار إلى برنامج اقتصادي لحقيقتين؛ أولا: لا أحد يصدق البيانات التي نشرتها إدارة الرئيس محمود أحمدي نجاد. ثانيا: لا أحد يجرؤ على طرح إصلاحات من دون ضوء أخضر من «الزعيم المفدى».

ويؤكد المرشحون الثمانية على أنه لن يكون هناك أي تغيير في سياسة إيران النووية. وهذا لن يحدث، نظرا لأن «الزعيم المفدى» وليس الرئيس، هو الذي له القول الفصل في كل الأمور.

لم يظهر أي من المرشحين الثمانية مهارات خطابية. وكان أكثر الخطباء المملين من بينهم هو جليلي، الذي لا يمكن أن ترشح خطبه المطنبة إلا لإظهار فضائل النوم. يعرف الملا العادي بالبراعة في الخطابة. غير أن روحاني، الملا الوحيد بين الثمانية مرشحين، ربما يكون أسوأ خطيب بينهم بعد جليلي. وربما يرجع السبب في ذلك إلى محاولات روحاني محاكاة الخطب السياسية التي سمعها إبان الفترة التي قضاها في إنجلترا واسكتلندا. وتتمثل النتيجة في أزمة هوية، مع وجود ملا يحاول أن يبدو مثل ثاتشر.

من جانبه، يعتبر محمد باقر قاليباف متحدثا كفؤا في الدوائر الصغيرة، والذي بدا عديم الحيلة بمجرد مواجهته جمهورا أكبر. ويعتبر محمد قرازي، العضو السابق بقوات الحرس الثوري الإيراني، هو المرشح الوحيد الذي يضفي جرعة من روح الدعابة على خطاباته وظهوره التلفزيوني. وربما يرجع هذا إلى حقيقة أنه المرشح الوحيد من بين الثمانية مرشحين الذي ظل بعيدا عن السلطة لما يقرب من 20 عاما، يحوم حول أطراف مؤسسة السلطة. ويعد غلام علي حداد «الفيلسوف» الوحيد بين المرشحين الثمانية. وقد أثبت عجزه التام عن إعداد خطاب مترابط.

لقد أتت المفاجأة الوحيدة حتى الآن من محسن رضائي الذي أصبح شخصية ثابتة في سباقات الانتخابات الرئاسية، بعد مشاركته في ثلاثة انتخابات سابقة، من دون أي تقدم يذكر.

تقلد رضائي رتبة لواء في سن السابعة والعشرين، وتم تعيينه قائدا لقوات الحرس الثوري الإيراني إبان الحرب بين إيران والعراق. وقد أحدث مفاجأة هذه المرة بإثارته قضية الأقليات العرقية والدينية في إيران وإبرازه خلفيته الاجتماعية المتواضعة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه ليس من المحتمل أن يحقق أي تقدم هذه المرة، إذ إن خامنئي طالما كان حذرا من الشخصيات ذات الخلفية العسكرية.

يرتبط الاهتمام الوحيد في هذه الانتخابات بمعدل مشاركة الناخبين في الانتخابات وبأداء الناخبين الذين يعتقد أنهم أقرب الناس من «الزعيم المفدى» الذي لا يتسم بصفات الأميرة «سنو وايت» (بياض الثلج).