أغلى ما فقدت سوريا

TT

كل شيء في سوريا كانت تتقدمه سابقة تؤكد عروبته، بدءا بـ«الجمهورية العربية السورية»، الجيش العربي السوري، وحتى الهلال العربي السوري. يوم الأربعاء الماضي كانت التهنئة الوحيدة لدمشق، من طهران. ولم يكن السوريون يعتزون بعروبتهم فقط، بل بأنهم الدولة الوحيدة التي لا طائفية ولا مذهبية. أليست سوريا هي التي جعلت اللبناني فارس الخوري رئيسا للوزراء واللبناني الدرزي شوكت شقير رئيسا لأركان الجيش؟

النعم لا تدوم. عندما كتبت في بدايات النزاع السوري، مرتين في هذه الزاوية، أن الخلاف يتخذ طابع الطاعون، أي الحرب الطائفية، شعرت بعدها بندم شديد. ألم أتسرع؟ وحتى لو كانت كذلك فما هو شأني في ذلك؟ كيف أستخدم هذا التوصيف المنكر والمحظور؟

لم يكن قد اندفع نحو سوريا بعد «الأفغان العرب» المتنقلون من بؤرة نزاع إلى أخرى، ولا كانت قد ظهرت «جبهة النصرة» التي تعرض أكل القلوب، ولم يكن حزب الله قد أعلن أنه دخل سوريا للدفاع عن الشيعة اللبنانيين. لكنني لم أتخيل أنه سيأتي يوم يعلن الحزب فيه أنه يقاتل «التكفيريين» برغم ما يعني هذا النعت عند معظم الناس في جميع الأمم.

لطالما تفاخر السوريون ببعدهم عن الطائفية، ولطالما أظهروا امتعاضهم من اللبنانيين وازدراءهم لهم بسبب (بين أمور أخرى) مشاغلهم ومشاعرهم وحروبهم الطائفية. أليس «التكفيريون» من مذهب واحد؟ هل من الضروري تقسيم السوريين إلى فئات، وهل «التكفيريون» وحدهم يخوضون حربا على مدى سوريا.

محزن أن تخبو هاتان السابقتان عن كل ما هو سوري: العروبة واللاطائفية. قال الرئيس بشار الأسد مفاخرا إن في سوريا 5 ملايين شجرة زيتون. وكان الرئيس الأب قد أعلن في مؤتمر صحافي في باريس قبل عشرين عاما، أن في سوريا مليون شجرة زيتون. لقد زادت البساتين 4 ملايين شجرة وانخفض عدد السوريين نحو هذا العدد، وانخفضت الحصانة النقدية إلى الهاوية وتفككت أواصر العلاقة الأسرية بين مكونات البلد، ومن لم تفرزه القوة فرقته الشدة.

ويبدو أن جميع دروب الرجعة قد قطعت، لأن الذي يربط بين الناس هو السلام والهدوء والكرامة البشرية وغياب الافتراء وحضور العدالة وتوافر الفرص.. وأين هي اليوم؟