سجناء اليورو

TT

يمثل الاتحاد الأوروبي للمسؤولين والمعجبين، القوة الوحيدة التي تحول بين الدول الأعضاء في الاتحاد وأخطار الشيفونية والوطنية والحرب القديمة. كانت هذه الرسالة الموجهة التي بعثت بها لجنة نوبل العام الماضي عندما منحت الاتحاد جائزة السلام لدوره في «دفع عجلة السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان». إنها الرسالة التي حملها السياسيون الأوروبيون الذين يعتقدون أن مواطنيهم يواجهون خيارا صعبا، كما تقول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهو إما التكامل المستمر وإما العودة إلى «قرون الكراهية وإراقة الدماء». لكن مشروع الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي لا يدعم الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان، وبدلا من ذلك يُعرِّض الدول الأعضاء الضعيفة لاختبار استثنائي لقدرتها على معالجة المشكلات وخوض تجربة صعبة في معرفة قدرة القواعد الليبرالية على التحمل. يأخذ هذا الضغط شكل البطالة الضخمة التي لم تشهدها أوروبا في تاريخها الحديث، حيث يظل معدل البطالة المرتفع بين الشباب الأسوأ الذي تواجهه القارة. ففي اقتصادات رجل أوروبا المريض، يفوق معدل البطالة لمن هم دون الخامسة والعشرين، الخيال، حيث تجاوز 40 في المائة في إيطاليا، و50 في المائة في إسبانيا، و60 في المائة في اليونان. وبالنسبة إلى هذه البلاد تعد منطقة اليورو سجناً اقتصادياً، وألمانيا هي السجان، والعملة المشتركة هي القضبان. أيا كان ما يحدث، تواجه تلك الدول الركود في المستقبل، والمجتمعات التي يتقدم أهلها في السن، وكذلك دول الرفاه التي سيظل شبابها من دون عمل لفترة طويلة أو من دون قدرة على ادخار المال أو تكوين أسر.

السؤال هو هل سيواجهون تغيرا آيديولوجيا أيضا؟ حتى هذه اللحظة أكثر ما يذهل العقل فيما حدث بعد الأزمة المالية التي حدثت عام 2008، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، مدى صمود المركز. ظلت القوى تتأرجح بين في جميع الاتجاهات، لكن لم تكن حركات التغيير الجذري جذابة إلى حد كبير، وكان العنف السياسي نادرا والحمد لله. بشكل ما، برز إعلان فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ» بعد الحرب الباردة، والذي كان يعني به اختفاء بدائل معقولة للديمقراطية الليبرالية ورأسمالية الاقتصاد المختلط، خلال الخمس سنوات الماضية. في خضم أسوأ كارثة اقتصادية منذ الكساد الكبير، واجهت المجتمعات غير الليبرالية مثل مصر وسوريا، أزمات سياسية، في حين لم تواجه دول العالم المتقدم مثل ذلك. لم يكن هناك اتجاه نحو الفاشية ولا إعادة إحياء الاقتصادات الماركسية ولا انقلابات عسكرية في مدريد أو حكم عسكري في روما. مع ذلك لا يسعد سوى التساؤل عما إذا كان المركز قادرا على الصمود إلى الأبد، إذا ظل معدل البطالة على ارتفاعه الكبير. إلى أي مدى تنظر الديمقراطية الليبرالية ورأسمالية الاقتصاد المختلط إلى الشباب في جنوب أوروبا الآن؟ ما مدى استقرار التسوية السياسية والآيديولوجية الذي يطلب من الجيل المقبل أن يظل بلا عمل أو مأوى أو أطفال لأن المشروع الأوروبي يعتمد عليه كما هو مفترض؟ وعليه كيف ستسير عملية دمج المهاجرين المسلمين الصعبة في القارة الأوروبية في عالم لا يجد فيه أهل البلد، ناهيك بالمهاجرين، فرص عمل؟

كان الناخبون اليونانيون يشيدون بالفعل بتمكين ائتلاف اليسار المتطرف الشيوعي في ظل فوز حزب فاشي واضح في استطلاعات الرأي. وتتجه حكومة المجر المحافظة بخطى غير ملحوظة باتجاه الشمولية. وشهدت إسبانيا احتجاجات ضخمة في الشوارع يتطلع منظموها إلى نموذج الربيع العربي. ورأينا مؤخرا تعامل السويد - وهي دولة خارج منطقة اليورو، لكنها ليست محصنة ضد مشكلات بطالة الشباب - مع أعمال الشغب المزعجة وغير الاسكندنافية بالأساس في أحياء المهاجرين.

لا تمثل هذه الاضطرابات تهديدا للديمقراطية في أوروبا حتى هذه اللحظة، وربما لن تمثل تهديدا لها أبدا. قد يكون التوافق الديمقراطي الليبرالي راسخا حتى النخاع بحيث لا تستطيع أي إدارة سيئة إقناع شباب أوروبا بالانقلاب عليه. ربما لن يستطيع شيء أن ينهي التاريخ.

لكن بالنسبة للدولة التي تواجه أزمة بطالة الشباب فإنها لا تزال تبدو مثل رهان كبير محفوف بالمخاطر.

بيد أن هناك مأزقا يواجه اليونانيين والإسبان والإيطاليين الذين يبحثون عن بديل لمجرد البقاء ضمن المسار. وبقدر إيلامه قد يكون الخيار الذي يحد من نفوذ المتطرفين في اليسار واليمين هو التخلي الفوري عن منطقة اليورو، حيث ستستعيد كل دولة السيطرة على سياساتها المالية والنقدية، وتستعرض الخيارات المتاحة. لكن من يدعمون هذا المسار في الوقت الراهن، هم متطرفو اليسار واليمين.

لكي يتغير ذلك ينبغي على النخبة السياسية في القارة الاعتراف بأن مشروع تكاملهم المحبوب قد يشكل تهديدا فعليا للسلام الديمقراطي الذي نعمت به أوروبا طويلا. وحتى الآن لا يوجد ما يكفي من المسؤولين المستعدين لحل المشكلات التي لم يكن ينبغي أن تصل إلى هذه الدرجة من التعقيد. لكن مع كل زيادة في معدلات البطالة، ستزداد حدة الخلافات بالدرجة التي تجعل الشخصيات المتعصبة وغير المسؤولة في النهاية قادرة على حلها.