من معجزات الفن

TT

الطب البديل فرع شائع من فروع الطبابة. يأخذ عندنا شكل الخرافات والتمائم والأعشاب. أضاف الغربيون لذلك أصنافا جديدة، منها العلاج النفسي، والطب الطبيعي، والعلاج الموسيقي music therapy. الأخير غير معروف في عالمنا العربي والإسلامي. ولكنهم في الغرب لاحظوا منذ قرون أن الموسيقى قد تنجي الإنسان من بعض المشاكل الصحية أو العقلية.

سمعت الكثير من الوقائع في هذا الخصوص. ولكن هزتني منها هذه الحكاية التي سمعتها أخيرا. أصيبت امرأة إنجليزية بحالة مرضية خطيرة أودت بها إلى غيبوبة عميقة. لم يملك الأطباء غير أن ينقلوها لغرفة العناية المركزة ويربطوها بشتى المعدات والأسلاك والأنابيب لتغذيتها صناعيا. يئسوا في الأخير من علاجها، وانقسموا إلى فئتين وراحوا يتناقشون. رأى البعض ألا فائدة ترتجى من الانتظار والعيش كنبتة من النباتات، والأفضل سحب هذه الأسلاك والأنابيب عنها وتركها تموت بقدرها المحتوم. عارض الفريق الآخر هذا الإجراء واعتبروه منافيا للقانون والدين. ذهب أثناء ذلك زوجها وجاءها بمعالج موسيقي music therapist ليعزف بجانبها شيئا من الموسيقى؛ قطعة من باخ، تموت على أنغامها.

لاحظوا بعد هنيهات وجيزة أنها بدأت ترمش بأجفانها. ثم فتحت فمها كمن يريد أن يقول شيئا. واصلوا مراقبتها باهتمام بالغ، وخلدوا إلى الصمت التام في دهشة مطبقة. لم يبق هناك غير الصوت المنبعث من أوتار المعالج. أخيرا، حركت المريضة يدها، واتضح بجلاء أنها بدأت تستعيد نفسها وإرادتها. عادت إلى رشدها شيئا فشيئا بما مكنهم من سحب الأسلاك والأنابيب عنها وتغذيتها بما طلبته من طعام وشراب. مرت أيام حتى قرروا تسريحها من المستشفى لتعود لبيتها وتستأنف حياتها في تمام الصحة والعافية.

وبالطبع، استفسروا منها كيف استعادت رشدها وصحتها. ما الذي كانت تشعر به، إذا كانت تشعر بأي شيء. قالت إنها شعرت في غيبوبتها بأنها في ميدان موحش يحيط به جيشان يتقاتلان من كلتا الجهتين، وهي بينهما لا تدري أين تذهب وتنجو بنفسها. وفي كآبتها وحيرتها وهلعها، سمعت أصواتا موسيقية ترد إليها من جبل بعيد. فاتجهت إلى مصدرها حتى انغمرت بأصواتها العذبة. وعندما وصلت إلى الجبل شعرت بالحياة تفيض في نفسها وبدأت تفتح عينيها لترى.

لا شك أن هذا الحلم الغيبوبي، أو الرؤيا اللاشعورية، لم يستغرق غير لحظات من تفكير هذه المرأة. ولكن الواقعة التي سجلها الأطباء المختصون والمسؤولون عنها في ملفاتهم أصبحت درسا بليغا في الطب البديل، بل قل في هذه الحالة، الطب الأساسي بعد أن فشلت العقاقير والجراحة في إنقاذ هذه المرأة من براثن الموت.