«بريسم» أوباما

TT

هذه الأيام الرئيس الأميركي باراك أوباما انشغل بالتنظير والتبرير لمعضلة كبيرة وقعت فيها أجهزة الاستخبارات الأميركية، خلاصتها: التجسس على كل مكالمات الأميركيين الهاتفية وتواصلهم بالإنترنت. الاسم المختصر لهذا البرنامج التجسسي (بريسم) أو (بريزم)، وهي مشكلة تتضخم، لم يجد أوباما مناصا من الاعتراف بوجود هذا النظام، ثم محاولة التهوين من أمره، وأنه لا يمس الحريات الشخصية للمواطن الأميركي. أوباما «شرح» في سان خوسيه بكاليفورنيا، أن برامج مراقبة الاتصالات من الاستخبارات الأميركية حظيت بموافقة الكونغرس، مؤكدا للأميركيين أن «لا أحد يتنصت على اتصالاتكم الهاتفية». لكن في المقابل، ذكر أنه لا بد من إيجاد «تسوية» بين الأمن والحياة الخاصة.

الرئيس الأميركي يحمل على عاتقه أمن الشعب، وصيانة مصالح الدولة الأعظم في العالم. هذا حق. لكن، ألم يكن هذا الحق مكفولا لدول أخرى في العالم؟

هذا الاستثناء الذي منحه أوباما لسلطات دولته وأجهزته الأمنية، بسبب الخوف من الإرهاب والجريمة، أليس استثناء مباحا أيضا لدول أخرى تخاف نفس الخوف الذي يتملك أوباما ورجاله السريين في الدولة الأميركية!؟

لا ندري، لكن ربما لو تعامل أوباما بنفس هذه الروح «المتفهمة» لما شن حملاته المغرقة في مثاليات الحريات والشعارات البيضاء، الخالية من تعقيدات السياسة، ضد أشخاص مثل مبارك مصر وابن علي تونس. وربما لو عاد به الزمن سنتين، فقط، للخلف، لكان أكثر هدوءا وواقعية منه الآن... ربما. التجسس على اتصالات العالم، هاجس يتملك الجميع، خصوصا من «الأخ الكبير» أميركا، ففي عقود سابقة، كان برنامج «إيشلون» الأميركي - البريطاني، حديث الصحف والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحرية الرأي في أوروبا، وهو نظام تجسس موروث من الحرب العالمية الثانية، استمرت أميركا، بالتعاون مع بريطانيا، في تشغيله، للتجسس على الاتصالات الأوروبية، وغيرها، وهو ما تسبب في حنق فرنسا وكثير من الدول الأوروبية. وقيل إن هذا النظام يتجسس على كل «الكرة الأرضية»، كما ذكر وقتها رئيس اللجنة العليا والتكنولوجية بالبرلمان الأوروبي. القصة معقدة والمعادلة صعبة، بين ضمان الأمن «الوقائي» وضمان الحريات الشخصية، هذه حقيقة. الأمن يجب أن يكون دائما متقدما بخطوة على الخطر ومصادره، من هنا أهمية المعلومة، خصوصا في عصر انفجار الاتصالات، لذا واهم من يظن أن الحكومات ستترك الأمور «سبهللا»، لكن يجب على الإنسان ألا يعلم كل شيء يدور حوله في الخفاء، تماما مثل حديث الغيبة الذي يقال عنك وأنت لا تعلم به، لا يصبح مشكلة إلا إذا علمت به من خلال «متبرع» فيصبح نميمة!

(بريسم) في لهجات الجزيرة العربية تعني نوعا غاليا من الحرير، وقد ذكرني هذا اللفظ ببيت من الشعر العامي القديم من وسط السعودية يقول فيه صاحبه موصيا مبعوثه الخاص لنقل الأخبار إلى تجار سوق الميدان في دمشق من أهالي بلدته:

وليا جيت الميدان تأتيك غلمةٍ

تخثّع بزبنات (البريسم) نعالها

يقولون لك يا صاح عطنا علومك

بلدان نجدٍ عقبنا وشْ جرالها؟