مثقفون ولكن ثوار!!

TT

هل تتخيل مقتحمين لمكتب وزير الثقافة المصري في وقار وتاريخ والعمر الزمني لجلال الشرقاوي وبهاء طاهر وصنع الله إبراهيم وسيد حجاب.. بالتأكيد يبدو المشهد «سيرياليا»، كان الهدف الأسمى الذي حدث ظهر يوم الأربعاء الماضي في شارع شجرة الدر بحي الزمالك الراقي بالقاهرة هو التأكيد على أنه ليس فعلا طائشا قام به عدد من الشباب المتحمس بطبعه والمنفعل وربما المنفلت أيضا، ولكنه موقف رصين؛ فهو عين العقل، بدليل أن هؤلاء الكبار كانوا هم عنوانه.

في واقعة الاستيلاء على مكتب الوزير كان الهدف سهل المنال فلم تحدث مقاومة تُذكر، والحكاية تبدو أشبه بلعبة «العسكر والحرامية» بين السلطة والمثقفين، يحرك الأحداث بقوة هم «جبهة الدفاع عن حرية الإبداع» وبها قسط وافر من الشباب الغاضب والثائر ضد حكم الإخوان، وهم حريصون على أن تصل الرسالة في مثل هذه الأمور إلى الرأي العام بأن الثقافة خط أحمر وأنهم سوف يدافعون عن حريتهم ولهذا يديرون الشأن الثقافي من عقر دار الدولة.

هناك ولا شك أكثر من قضية ممزوجة ومتداخلة، وزير الثقافة الجديد علاء عبد العزيز الذي سيحمل عما قريب لقب سابق، رفع شعار التطهير؛ الكل يعلم أن هناك فسادا داخل الوزارة. وخلال الربع قرن الأخير من حكم مبارك الذي تولى خلاله حقيبة الوزارة فاروق حسني كانت حظيرة المثقفين هي الهدف، وكان يتم إغراء العديد منهم بالدخول إليها ليصبحوا داعمين للدولة، قسط وافر منهم ولا أقول بالطبع الجميع ولكن قطاعا لا بأس به وافق على شروط عضوية الحظيرة، الفساد لم يكن فقط موظفين كبارا داخل الوزارة، ولكنه امتد أيضا إلى دائرة من المثقفين تعود بعضهم على أن حدود مصلحتهم هي بالتحديد حدود قناعاتهم، والدليل أن الوزير السابق صابر عرب كان ينفذ أيضا أجندة الإخوان في وزارة الثقافة ولم يثر ضده المثقفون، لأنه كان يعرف قانون اللعبة ولم يفتح النيران في لحظة واحدة، مثلما فعل الوزير الحالي، على الجميع، بل كان يحرص على أن يكتسب قطاعا منهم قبل أن يوجه ضربته لقطاع آخر.

لست متفائلا بالطبع في القادم داخل أروقة وزارة الثقافة المصرية خاصة أن دعاة الظلام وأنصار الأخونة تجدهم هنا وهناك، ولكني لا أنكر تخوفي من انتهازية بعض المثقفين، وسوف يشرع كل منهم في اختيار موقعه القادم تبعا لمن يحقق له مصالحه، لو سألتهم عن الوزير الذي يريدونه لن يتفقوا على شخص أو رأي واحد، ستتعدد المشارب، على حسب توجه المصالح، ستجد أيضا أن الرغبة عند البعض في الوجود داخل الصورة واحتلال المقدمة حتى في النضال الوطني هي الدافع الرئيسي، ستلمح أن هناك من يريد سرقة الكاميرا، لا تستطيع أن تتحرك بعيدا عن هذا التناقض في المواقف والمعايير، ولهذا مثلا قبل أكثر من عام عندما أنشئت «جبهة الدفاع عن حرية الإبداع» لم تمض سوى أشهر قليلة إلا وتم تشكيل فصيل آخر اسمه «لجنة الدفاع عن حرية الإبداع»، الأهداف بالطبع واحدة، ولكن كل فريق يريد أن يقدم رسالة تقول إنه في مقدمة «الكادر»، وكأننا بصدد «شو» إعلامي. لن يستطيع الوزير الحالي الصمود إلا أن الدولة على الجانب الآخر ستحرص على بقائه أطول فترة ممكنة لكي لا تصبح سابقة تتجدد في قطاعات أخرى أشد التهابا من وزارة الثقافة. ويبقى السؤال: هل سنرى يوما المثقفين «يدا واحدة»؟ أقول لكم بعد إزاحة الوزير الحالي ستتغير قواعد اللعبة من صراع بين المثقفين والسلطة إلى صراع بين المثقفين والمثقفين، وتلك هي المشكلة على رأي وليم شكسبير!!