مسألة سكان

TT

توازن عدد السكان مشكلة واجهتها البشرية منذ آلاف السنين. التقدم والازدهار يحتاج لعدد كاف من الأيدي العاملة ومن الأدمغة المفكرة. ولكن سرعان ما تتحول إلى مشكلة عندما يزداد عددهم عن المطلوب. كيف يمكن إطعامهم جميعا؟ واجه الشرق الأوسط هذه المشكلة بصورة خاصة لقلة الموارد الغذائية فيه. حلها الأقدمون بالهجرة الجماعية كما فعل العموريون والفينيقيون وأيضا بتخفيض عدد السكان بالحروب، كما يجري الآن أمام أعيننا. وأحيانا تطوعت الطبيعة بمساعدتهم بالأوبئة، الطاعون والكوليرا والجدري... إلخ. وأحيانا أخرى بالكوارث الطبيعية، الزلازل والطوفانات، وغيرها

يخيل لي أن كل هذه الاضطرابات والحروب التي اجتاحت المنطقة في أيامنا هذه مرجعها الحاجة للحد من السكان؛ فقد تفاقم عددنا بشكل رهيب. كانت نفوس العراق لا تتجاوز الثلاثة ملايين في العشرينات وتجاوزت الآن الثلاثين مليونا. وبعد بضع سنوات ستتجاوز مصر المائة مليون.

ربما نجد أن السعي المحموم للهجرة للخارج أيضا من نتائجها.

هناك أكثر مما يجب من البشر بيننا. كان من أول من فكر في هذه المشكلة السومريون (سكان العراق القدماء). قالوا في أساطيرهم: إن الإله انليل تضايق من كثرة بني الإنسان ومما كانوا يسببونه من ضوضاء تزعج الآلهة. سلط عليهم أوبئة الطاعون والكوليرا (الهيضة) والملاريا لتقليص عددهم ولكنه لم ينجح في ذلك. فقرر إبادة كل البشرية بالطوفان. وتم ذلك وأغرق الحرث والنسل. ولكن زميله الإله الآخر انكي – حسب أساطيرهم - اعترض على ذلك، وقال إذا لم يكن هناك بشر، فمن سيقدم لنا قرابين؟ وهذه إشارة أخرى في أن الفساد في العراق قديم العهد. بيد أن الوثائق السومرية لم تذكر أي أحد قبض عمولة عن هذه الصفقة التي أوعز انكي بموجبها لرجل من أتباعه ببناء سفينة ينجو فيها بأهله وحيواناته مقابل التعهد لزميله الإله انليل وبقية الآلهة بالحد من تناسل الإنسان بموجب شتى الضوابط، ومنها إصابة بعض النساء بالعقم وتكريس بعضهن للرهبنة وعدم الاختلاط بالذكور وخطف الأطفال من حضن أمهاتهم، ثم أسس أهل سومر نظام الأسرة لمجرد الحد من كثافة السكان. وهكذا وضع السومريون أول نظام في التاريخ للسيطرة على النسل.

وعندما جاء الملك نبوخذنصر باليهود من القدس إلى مدينة بابل، سمعوا كل هذا الكلام من العراقيين فأعجبهم وراحوا يرددونه بشكل أو آخر في مجالسهم. بيد أن مشكلة السكان ظلت تتكرر وتتفجر من حين لآخر وتسبب كل هذه الكوارث.