الصعاليك من البعير للطيارة!

TT

كراهية الحكومات والحكام قديمة قدم الاجتماع البشري. فالسلطة، ظالمة كانت أم عادلة، هي قيد للحرية الفردية، العاقل يدرك أن هذه القيود ضرورية، وغيره، يكره فكرة القيود نفسها. لاحظ أننا نتحدث عن القيود العقلانية المقننة لأجل مصالح الناس، لا القيود «القراقوشية» كما فعل الحاكم الفاطمي قديما، والعقيد القذافي حديثا.

باستمرار كان هناك من يكره هذه القيود، بشكل مطلق، وبصرف النظر عن ضرورتها أو عدم ذلك، هو هكذا يأنف من أي لجم لحصان روحه المتمردة. وعند العرب في «الجاهلية» كان يسمى هذا الصنف من الناس بالصعاليك، ولهم شعر جميل وقصص نبيلة، ومن أشهرهم عروة بن الورد، وطرفة بن العبد، والسليك بن السلكة، وتأبط شرا.

هذه الشيمة المتأبية على سلطة الدولة عند بعض العرب، وجدت استمرارها في الخوارج وقليل من المعتزلة، ولذلك في مبحث وجوب تنصيب «الإمام» ضمن علوم العقائد أو علوم الكلام أو علوم الفقه، حسب المدخل الذي يولج منه لهذه المسألة، دائما يذكر المصنفون الأوائل أن الإجماع انعقد لدى فرق الأمة على وجوب تنصيب الإمام، وجوبا عقليا أو شرعيا، على تفصيل بينهم، ويستثنون من هذا الإجماع بعض فرق الخوارج مثل الأزارقة أو العجاردة الذين كانوا يرون أن الواجب على الأمة هو التعاضد لإحياء الحق وإماتة الباطل، ومع قيام الأمة بهذا الواجب لا يبقى للإمام فائدة تستدعي تسلطه على العباد. ووافقهم على هذا المذهب قلة من المعتزلة.

يشابه هذا المذهب العدائي للمؤسسة، أي مؤسسة، تيار فوضوي سياسي غربي شهير، هو التيار «الأناركي» الذي تتملكه فكرة عداء المؤسسة، وإدانة نفاق النخب البرجوازية، والدعوة لإقامة التعاون الإنتاجي بين طبقات المجتمع بعيدا عن هيمنة المؤسسات الضامنة لمصالح الطبقات المستغلة. إذن هو مذهب طبيعي وجزء قديم - جديد من طبيعة الاجتماع البشري، قد تحبه أو تكرهه، ولا علاقة له بطبيعة المعارضة السياسية التي تعارض ضمن آليات الإيمان بفكرة الدولة وبقاء المؤسسة.

من هنا، ومن هذه الطبيعة البشرية السياسية القديمة قرأت خبرا سودانيا ظريفا هذه الأيام، حيث ذكرت صحيفة «الأهرام اليوم» السودانية أن الشرطة داهمت منزل مواطن يعمل مهندسا بإحدى شركات صيانة الطائرات، عقب معلومات أكدت وجود طائرات صغيرة من دون طيار في منزله. وقال المواطن للشرطة إنه تحصل على الطائرات بعد أن رسا عليه عطاء عام 2007 وإنه دفع 1000 جنيه ثمنا لهذه الصفقة. وإن لديه المستندات التي تؤكد امتلاكه لها.

ماذا في هذا؟

صفقة مقابل مال، ليست سرقة، ولا احتيالا، أما الدولة، فما شأنها بهذا، ولماذا أسألها طائرة من دون طيار، وطيارات ربي في البلاد كثير!؟ قالها من قبله «تأبط شرا»، وهو يفلسف هذه الصفقة السهلة:

ولا أسأل العبد الفقير بعيره وبُعران ربي في البلاد كثير