شراكة حلبية

TT

أستمع إلى الأغاني الجديدة في حالات قليلة جدا، معظمها غير طوعي. غالبا بين نشرة الأخبار وأخرى وأنا أقود السيارة. والأغاني الجديدة مفاجأة المفاجآت. أحيانا تحكي صاحبتها عن جدول الرحلات في المطار (دون تحديده) لأنها تريد معرفة موعد وصول الحبيب. وأيامنا كان الذي يغني للسفر محمد عبد الوهاب، وللقطر، لا للطائرة: «يا وابور قوللي رايح على فين».

وآخر ما سمعت من جديد الأغاني يا أبا فرج الأصفهاني، واحدة عن «الشراكة الحلبية». وسوف أوضح لك معنى المصطلح هذا، لكن دعني أقُل أولا إنها أغنية كاملة فيها آهات ومواويل ودربكات. أما «الشراكة الحلبية» فتعبير شعبي يعني، أو يقضي، بأن يدفع كل واحد عن نفسه عندما يخرج الرفاق إلى مطعم أو مقهى أو يركبون باصا في نزهة. يقول المطرب (أو المؤلف) النبيل لحبيبته الغالية إن الشرط للخروج معا (لا تحديد للمكان) هو «الشراكة الحلبية». ويمط كلمة «الحلبية» مطا توكيديا لكي لا تسيء الحبيبة فهم كرمه الحاتمي. في بداية الأغنية لم أصدق ما أسمع. ثم أكمل المطرب مطاريبه فلم يكن هناك مفر.

في زمننا كان الشاب هو الداعي. وكان ذلك يقتضي الاقتراض والسحب على الراتب والعجز في التسديد مدى شهور أو سنين. وكانت مشاركة الفتاة في دفع الفاتورة عيبا، ومن يقبل ذلك يشك في رجولته وفي أخلاقه. والآن «الشراكة الحلبية» أغنية ومواويل. ولا أعرف المناسبة. ربما أن العاشق نجح في تدفيع حبيبته ما عليها من ثمن التبولة والحمص.

الواقعية الجديدة؟ في الرومانسية القديمة كان عبد الحليم حافظ لا يدفّع حبيبته، بل كل ما يطلب منها «صافيني مرة وجافيني مرة»، وفريد الأطرش يتأملها ومع ذلك يراها «زهرة في خيالي»، وفيروز تقول: «لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب»، من دون أن توضح من الذي دفع فاتورة اللقاء وأجرة التاكسي وتذكرة السينما.

ليس مطلوبا من الأخ المطرب أن يغني في هذا العصر «أيها الراقدون تحت التراب»، أو «سلوا قلبي»، ولكن أيضا للمزيكا حدود. وإذا كان المؤلف في ضيقة فما عليه إلا أن يقرأ إعلانات «القرض الشخصي» وسهولة التقسيط، فهي تملأ جدران بيروت.

جرصتنا، يا أخ. ما معك حق غداء، لا تعشق. ألم تسمع أغنية فيروز:

اللي بدو يعشق يتاجر بالحرير العشق يا عيني بدو مال كتير؟