شيء من تونس يدعونا للتفاؤل!

TT

أي مقارنة بين الأوضاع في تونس العاصمة، وبينها في القاهرة، خلال الفترة الممتدة منذ بدء ما يسمى بالربيع العربي، إلى اليوم، سوف تشير لك إلى أن العاصمتين تواجهان أوضاعا مماثلة، وتكاد في أحوال كثيرة، تكون متطابقة، وخصوصا على مستويات ثلاثة: صعوبة الوضع الاقتصادي، عدم قدرة الشرطة على فرض الأمن بمثل ما كان قائما من قبل، ثم عجز الحكومات المتتالية، فيما بعد الربيع إياه، عن تقديم ما هو أفضل للمواطنين في البلدين.

وعندما كنت في تونس، في فبراير (شباط) الماضي، كنت أطالع الصحف هناك، فتبدو لي، وكأنها الصحف المصرية، إلى حد بعيد، من حيث تشابه الأمور والأحداث، وتداعياتها، بين الدولتين، لدرجة مدهشة!

وحين طالعت تصريحات الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، في الصفحتين الأولى والسابعة، من «الشرق الأوسط» صباح السبت 1 يونيو (حزيران)، أحسست بأن هناك للمرة الأولى، شيئا سوف يميز تونس عن القاهرة فيما بعد ربيعيهما العربيين!

فالشيخ الغنوشي يقول إن الحزب الحاكم عندهم، الذي هو حزب الحركة طبعا، قد أجرى مشاورات واسعة مع كافة التيارات السياسية، والأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، وانتهى إلى توافق معهم، على ألا يجري وضع الشريعة في الدستور التونسي، بحيث يعكس هذا الدستور، عند صدوره، ما يتفق عليه الجميع من قيم إسلامية تلتقي بطبيعتها مع القيم المدنية، والقيم الديمقراطية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ورغم أن الغنوشي يرى في تصريحاته، أن «النهضة» سوف تكون صاحبة حظوظ عالية في الانتخابات القادمة، وأنه لا بديل عن حزب النهضة حتى اليوم، فإنه يستدرك ليقول - وهذا هو المهم - إن النهضة كحزب، ليس حزبا أبديا، وإنما هو واحد من الأحزاب الموجودة في البلد!

نحن، إذن، أمام كلام مختلف على مستويين مهمين للغاية؛ أولهما أن رئيس حركة النهضة، التي تماثل جماعة الإخوان في القاهرة، يقر راضيا، ربما لأول مرة، بأن الشريعة ليس من المهم أن تكون مدرجة في دستور البلاد المقبل، وأنها يمكن إرجاؤها لما بعد، وأن النهضة، الحركة لا الحزب، قد توافقت مع سائر القوى السياسية والمدنية على ذلك.

وكم يتمنى المرء لو راحت جماعة الإخوان تفكر بهذه الطريقة المعتدلة، خصوصا أنها مرغمة على وضع دستور جديد للبلاد، بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا في القاهرة، صباح الأحد 2 يونيو، بعدم دستورية انتخاب اللجنة التي وضعت دستور 2012 الحالي، وبذلك، لم يعد هناك مفر، أمام «الإخوان»، من البدء في صياغة دستور جديد، وسوف يكون شيئا جيدا، أن تذهب الجماعة إلى هذا الدستور الجديد، بالروح نفسها التي تحدث بها الشيخ الغنوشي، من حيث الاحتكام إلى التوافق وحده، في كل الأحوال، حول إرجاء مسألة الشريعة، إلى ظرف زمني آخر.

أما المستوى الثاني المهم، في كلام زعيم حركة النهضة، فهو اعترافه، ربما للمرة الأولى كذلك، بأن الحزب الذي يحمل اسم الحركة، ليس حزبا أبديا، رغم حظوظه العالية في الانتخابات القادمة.

وهو ما يعني تسليما من الغنوشي، بأنه من الجائز جدا، أن يفوز حزب آخر، في الانتخابات بعد القادمة، لينتقل حزب النهضة، عندئذ، إلى صفوف المعارضة، أو بمعنى أدق يعود إليها، فنكون، والحال هكذا، أمام حالة من حالات تداول السلطة التي نسعى إليها في دول الربيع ونتمناها.

وكم يود المرء، لو أن الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب «النور» السلفي في مصر، قد طالع تصريحات زعيم النهضة، فيما يتعلق بحكاية الشريعة، لأن الدكتور يونس كان قد صرح فور انتخابه رئيسا للحزب، قبل ثلاثة أشهر من اليوم، بأن تطبيق الشريعة يأتي على رأس أولويات حزبه، بما جعل كثيرين يستوقفونه وقتها، وكنتُ من بينهم، ولسان حالهم يقول: مهلا يا شيخ يونس.. فأنت في مجتمع يجب أن تنهض فيه بأولويات أخرى في حياة الناس، قبل أن تكون الشريعة على رأسها، ولا بد أن يكون من بين هذه الأولويات، أن يحيا الإنسان حياة تليق به، كآدمي، ثم لنطبق عليه الشريعة، بعد ذلك، وليس قبله، كما نحب.

وإذا كانت «الجماعة» في القاهرة، تقول الشيء، وتفعل عكسه، فسوف تثبت الأيام وحدها، ما إذا كانت «النهضة» في تونس، سوف تعمل بصورة مغايرة، بحيث يتسق كلامها مع فعلها، أم أن كلام الغنوشي شيء، بينما فعل الحركة ومعها الحزب على الأرض، شيء آخر، وفي الأحوال كلها، فإن كلام الرجل يبعث على التفاؤل، وسط إحباطات هائلة تأخذ بخناق كل مواطن شاء حظه الأنكد، أن يكون من بين مواطني «دول الربيع» هذه الأيام!