مقتطفات من ذكريات

TT

قال لي وهو يضحك: بالأمس وصلت لنا إرسالية هي عبارة عن علبة صغيرة ملفوفة بعناية وأناقة، ومعها بطاقة باسم زوجتي، وما أن فتحناها حتى وجدنا بداخلها أقلام رسم ملونة مع رسالة قصيرة، وعندما قرأتها زوجتي أخذت تضحك، فتعجبت من تلك الهدية التي لا تلائم سنها، وزال عجبي عندما أخبرتني عن قصتها قائلة:

عندما كان عمري في الرابعة أو الخامسة، وكان والدي وقتها يشغل وظيفة بسيطة في إحدى الشركات، وسألنا مازحا ماذا تريدون أن آتي لكم به بعد أن أُصبح مدير الشركة، فقلت له: أريد علبة ألوان ملونة يا بابا.

وها قد مر أكثر من عشرين سنة على ذلك السؤال وتلك الأمنية، ويبدو أن والدي قد تبوأ منصب مدير الشركة، فلم ينس وعده لي، وحقق اليوم أمنيتي الصغيرة تلك عندما كنت طفلة.

***

أكثر ما أعجبني هو جواب رجل في الحادية والثمانين من عمره، وقبل أن أقول لكم جوابه، لا بد أن أذكر لكم أن زوجته توفيت، وما هي إلاّ سنة واحدة بعد وفاتها، حتى تزوج بأرملة في التاسعة والسبعين من عمرها.

وحيث إنني أرتاح له ولحكاياته لهذا نشأت بيننا ما يشبه الألفة والصداقة، لهذا أتردد على زيارته ما بين الحين والآخر، وعندما علمت بزواجه ذهبت لتهنئته، وسألته مستغربا عن اختياره لعروسه وهي في هذا العمر، وكان من المفروض عليه أن يختار امرأة فيها (الحيل) لكي تشببه ولو قليلا.

فتمتم متبسما وهو يقول لي مشيرا بطرف خفي: إنهن لا يأكلن كثيرا في هذه المرحلة.

***

بعد عزومة عشاء مختلطة خرجت مع أحدهم مغادرين منزل مضيفنا، وإذا بنا نشاهد أحد المعازيم يهرع سريعا ويفتح الباب لتركب زوجته.

فقال لي رفيقي: ثق تماما يا مشعل أنك عندما تشاهد رجلا يفتح باب السيارة لزوجته، فاعلم أن إحداهما جديدة، إما السيارة أو الزوجة.

أجبته قائلا: أعتقد أن السيارة هي الجديدة، فأنا أعرفهما جيدا، فهما متزوجان منذ عشر سنوات، وهي إذا غضبت عليه لا تعطيه إلاّ بالتي في رجلها - أي بلهجتنا الحجازية (تمدسو).

***

أظهرت دراسة أجراها الدكتور (ويليام اتسن فري) بمركز أبحاث العيون والدموع، أن البكاء مفيد للصحة النفسية والعاطفية، لأن الدموع تطهر العيون وتخفف التوترات النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بقرحة المعدة، والضغط، كما أن (يزيد بن ميسرة) رحمه الله يقول: إن البكاء لا يكون إلاّ من سبعة أشياء؛ البكاء من الفرح، والبكاء من الحزن، والبكاء من الفزع، والبكاء من الرياء، والبكاء من الوجع، والبكاء من الشكر، والبكاء من خشية الله - انتهى.

وأنا جربت كل هذه الأنواع من البكائيات، ولا أبدع جدا إلاّ بالبكاء ساعة (الفزع)، لأنني وقتها لا أبكي فقط، ولكنني (أجعّر) كذلك (بالصوت الحيّاني).

***

سألني أحدهم قائلا: متى (آخر مرة) فعلت فيها شيئا (لأول مرّة)؟!

(ضربت أخماسا بأسداس)، وعندما عجزت عن الفهم والإجابة، التفتُ نحوه بحنق وسألته قائلا: هل أنت شارب شيئا؟!

[email protected]