حفظ الأدوية وسيارات الإسعاف

TT

ثمة مفارقة لافتة للنظر تحصل مع الأدوية، فمن المعلوم أن حفظ الأدوية في ظروف صحيحة أمر ضروري لضمان فاعليتها حال استخدامها، وأن تعريض الأدوية لظروف مناخية غير ملائمة يجعلها عديمة الفائدة حال الاضطرار إلى استخدامها، وربما ضارة بجسم المريض. ومع ذلك، تتعرض أدوية مهمة لظروف بيئية غير ملائمة، وهي بالذات أدوية ضرورية ويحتاج إليها في ظروف حرجة.

الباحثون البلجيكيون يقولون إن الأدوية التي غالبا ما تستخدم في الحالات الإسعافية الطارئة توضع عادة في سيارات الإسعاف، ويتسبب بقاؤها في تلك السيارات في تلفها خلال بضعة أسابيع أو بضعة أشهر، مما يجعلها غير آمنة للاستخدام.

وضمن عدد 28 مايو (أيار) الماضي من مجلة «مدونات طب الطوارئ» الأميركية (Annals of Emergency Medicine)، قامت الدكتورة سابرينا دي وينتر وزملاؤها الباحثون من مستشفى ليوفين الجامعي بدراسة مقارنة حول الأدوية التي تعطى بالحقن (injectable drugs)، التي تكون مخزونة بالعادة لمدة سنة في سيارات الإسعاف، وذلك إما ضمن ظروف درجة الحرارة التي تتعرض لها تلك السيارات أو في ثلاجة خاصة داخل سيارة الإسعاف كما هو الواجب.

وقام الباحثون بمتابعة أسبوعية لفحص مدى تدهور وتلف تلك الأدوية خلال الشهر الأول من وضعها في سيارة الإسعاف، ثم شهريا إلى حين بلوغ مدة سنة. وتبين، كما هو متوقع، أن 90% من تلك الأدوية فقدت فاعليتها وتحللت مكونات عناصرها الفاعلة. وقال الباحثون: «هذه الأدوية يجب إخراجها من الخدمة في الأوقات التي تتلف فيها من أجل درء مخاطر إعطائها للمرضى حال الاحتياج إليها». وعلق الدكتور هاوارد ميل، الناطق الرسمي للكلية الأميركية لأطباء الإسعاف، بالقول: «على الأشخاص المعنيين باستخدام الأدوية تلك والذين يخزنونها في سيارات الإسعاف بتلك الصفة، أن يدركوا تبعات هذا الأمر»، أي على فاعلية الأدوية تلك. وأضاف أنه من الجيد أن نرى من يدرس هذه الأمور لأنه لا توجد دراسات سابقة كثيرة حول هذا الأمر.

وتنبه هذه الدراسة إلى أمر مهم وهو موضوع علاقة نوعية ظروف حفظ الأدوية بفاعليتها. والأمر لا يقتصر على شأن سيارات الإسعاف، بل هو عموم المرضى الذين لديهم أدوية لمعالجة أمراضهم، المزمنة أو الطارئة. والفكرة التي يجب أن تكون حاضرة في ذهن المرضى والصيادلة والأطباء، هي أن استفادة المريض من المعالجة مبنية على مجموعة من العناصر والعوامل. والعناصر تلك ليست فقط حرص المريض على تناول الدواء، ولا على تناوله في الوقت المحدد، ولا تناول الجرعة الموصوفة بالضبط، ولا الاستمرارية في تناوله يوميا كما وصف للمريض، بل هناك عوامل قد تضعف من فاعلية الدواء في معالجة المرض، منها ظروف خزن الدواء.

والواقع أن الدواء عنصر على درجة عالية من الأهمية في معالجة المريض، والعناية بالدواء نفسه تتطلب إدراك جوانب تهيئة الظروف لضمان فاعليته، والحفظ الصحيح أحد أهم تلك الجوانب. وقبل وصول الدواء إلى يد المريض، هناك النقل والتخزين ومراحل متعددة أخرى في سلسلة طريق «الإنتاج والتناول»، كلها تتطلب حفظ الدواء ضمن معايير محددة لضمان جودة الحفظ، وبالتالي ضمان جودة المفعول في جسم المريض.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]