نصر الله.. محرر الأمة!

TT

يحلو لقدامى «المناضلين» التقدميين العرب أن يصطحبوا معهم نفس النظارات القديمة لمشاهدة واقع جديد، واقع ثلاثي الأبعاد، لا تقدر النظارات العتيقة على رؤيته بصفاء. بالنسبة لهؤلاء نظام بشار الأسد نظام عروبي تقدمي مناضل ومقاوم، يواجه هجمة إمبريالية، ومؤامرة كونية، وغزوا أميركيا بـ«أدوات» عربية رجعية، والإشارة هنا واضحة للدول الخليجية، اعتمادا على القاموس البعثي واليساري.

كل هذا القتل والفجور الذي مارسه نظام بشار وميليشيا حسن نصر الله في سوريا منذ أكثر من سنتين، لا يراه هؤلاء بنظاراتهم العتيقة، القصة فقط جبهة النصرة وكتائب التكفيريين (الاسم السري الجديد للسُنة). أما، مثلا، مجازر الحولة، وبابا عمرو، وحمص، والبيضا في بانياس، وتقطيع الطفل حمزة الخطيب، فليست سوى مؤامرة إمبريالية!

حتى اشتراك حسن نصر الله، في معارك سوريا، وهو ما يفترض أنه، حسب خطاب الرفاق، عمل «رجعي، لأنه بدافع طائفي، لا يراه هؤلاء بنظاراتهم العتيقة، فقط يرون التكفيريين» السُنة. هم يمشون، وهم أهل التقدم والتحرر، خلف معمم خميني التكوين والثقافة، يؤمن بولاية الفقيه. يرون هذا المعمم تقدميا ثوريا، ويغضون النظر عن عمامته وما تحت عمامته من أفكار ضد التحرر الفكري والاجتماعي، حسب ثقافتهم التي يدينون بها الرجعيين من «السُنة»!

حالة ضياع، وهلوسة، لا مثيل لها، ويريدون أن يحاربوا الطائفية بعد هذا كله، وهم من يغرسها غرسا، ويستثيرها من مكامنها، تارة بدافع طائفي خفي، وتارة بدافع آيديولوجي عمي. قبل أيام، قرأت مقالة لـ«المناضل» الفلسطيني، التقدمي بسام أبو شريف بعد جريمة نصر الله وحزبه في المشاركة في حصار القصير السورية، وقتل أهلها، يشيد فيها بما فعله هذا الحزب الطائفي، وحجته في هذا مقتضيات المعركة مع الإمبريالية، ويصف مقاتلي ميليشيا حزب الله بـأنهم «الرجال الصادقون الذين يمتلكون الرؤية السليمة». ويتحدث عمن: «يفتحون لكل مناضل الأبواب للمشاركة في معركة تحرير الأمة. ومقاومة التمدد الاستعماري، ويقف هذه الأيام في طليعة هؤلاء الرجال الصامتين والمرابطين السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ومناضلو حزبه ومناضلو المقاومة الذين يتصدون للمخطط الصهيوني الاستعماري».

لا تعليق على هذا الكلام غير الأسى على «ابتذال» قضية فلسطين في معركة يندى لها جبين الإنسانية. لا لوم على حسن نصر الله، وقبله عماد مغنية، في الانخراط الصريح في مشروع الخمينية السياسية الفارسية، اللوم والأسى هو في استمرار وجود مثل هذا التفكير، ربما لذلك نعيد إنتاج الخيبات والأزمات باستمرار.

جبهة النصرة، وكل فعل سُني متوحش، مدان، من قبلُ ومن بعد، ولسنا بحاجة لشهادات تزكية في هذا، لكن توهج التطرف القتالي السني الآن ليس سوى المقابل الموضوعي لوجود مثل حزب الله، الذي رفع مقاتلوه شعارات طائفية على مآذن القصير، لا يريد السيد أبو شريف رؤيتها.

هل كانت قضية فلسطين تدار كل هذه السنين بمثل هذا التفكير؟