كيري وحتمية توسيع الدائرة

TT

على السيد كيري أن يبذل جهدا أكبر مع أقطاب القيادة الإسرائيلية؛ فهذه القيادة التي يفترض أن تكون الحكومة عنوانها القانوني والرسمي، تكاد تفقد شخصيتها واتجاهها، حتى نتنياهو لم يعد رئيسا للوزراء بقدر ما هو طرف يتنافس مع أطراف أخرى، وأحيانا يبدو أنه يحاول تنسيق المواقف المتباينة داخل الحكومة، وغالبا ما يفشل في تحديد موقف أغلبية أو اتجاه مركزي مؤثر في صنع القرارات.

وهذا الوضع الحكومي في إسرائيل، يبدو كما لو أنه الوصفة الأكثر نجاعة لجعل السيد كيري واقفا على حافة اليأس من إمكانية إيجاد ثغرة تنفذ منها بعض مشاريعه أو مقدماتها، حتى إن الرجل الذي بدأ واثقا من نفسه، ومن قدرات الدولة العظمى على وضع عجلة السلام على سكة أفضل من كل سابقاتها، اقترب بعد أربع زيارات للمنطقة، وأكثر من مائة ساعة لقاءات مع زعمائها، إلى التهديد بنفض اليد، وكرر الجملة التي دأب كثيرون ممن سبقوه على تكرارها باعتبارها باب الهرب «لا أمل بالنجاح إذا لم يقدم الفلسطينيون والإسرائيليون على اتخاذ قرارات شجاعة ومؤلمة».

وإذا كان من المبكر الجزم بفشل كيري، أو أنه بالفعل سوف يدير ظهره انتظارا لتلك القرارات المؤلمة أو المستحيلة، فإن اعتماده على الطرفين كعامل أساسي في نجاح مهمته يبدو غير واقعي.

فكل ما حدث منذ مدريد وأوسلو أعطى خلاصة أساسية، هي استحالة اتفاق الطرفين بالتراضي. فإما أن يفرض القوي الإسرائيلي على الضعيف الفلسطيني حلا من جانب واحد، ولذلك مضاعفات يصعب تحديد أثرها على الحاضر والمستقبل، وإما أن تقرر الولايات المتحدة طرح مبادرة متكاملة تفرض على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مع وضع ترتيبات مؤجلة للوضع السوري واللبناني فيما يمكن تسميته بالترتيب الإقليمي الجديد، بعد الزلزال العربي الذي سمي تسرعا بالربيع.

فيما يتصل بقيام إسرائيل القوية على الأرض بفرض حل من جانب واحد، فإن هذه الفكرة وإن كانت نموذجية في وقت ما، وأفرزت انسحابا من غزة، إلا أن الوضع الحكومي الراهن في إسرائيل لا يسمح بجعل هذه الفكرة سياسة معتمدة.

قد تتراكم خطوات وإجراءات عملية في هذا الاتجاه، إلا أن ما حدث بشأن غزة في عهد شارون لن يحدث رسميا في عهد نتنياهو. فالحل من جانب واحد ربما يتكرس في الواقع، ولكنه أبدا لن يكون حلا سياسيا يضع حدا للصراع.

أما الاحتمال الآخر وهو المبادرة الملزمة أو المفروضة، فهنالك مؤيدون هامون لحتمية طرح مبادرة، وهنا يبدو حتميا توسيع دائرة المشاركين فيها، والأقرب إلى التحقق هو أن تعيد الولايات المتحدة اتصالات نشطة مع أطراف «الرباعية»، مع إدخال تعديلات جوهرية على طريقة عملها كي تكون المبادرة المطلوبة ذات بعد دولي فعال وإمكانيات أعلى للتحقق. إلا أن الخوف يكمن في «هل سيتفق الجميع على أن تكون المبادرة ملزمة؟ أو أن أطرافها بالذات ملزمون بها، وذلك على عكس خطة خريطة الطريق التي وضعها الجميع ولم يلتزم بها أحد».

مصادر بريطانية أفصحت عن أن بحثا يجري حول هذا الأمر مع الإدارة الأميركية، وإذا ما توصل المتباحثون إلى تفاهم حول المضمون والآليات، فهنا يصبح نفض الغبار عن إطار «الرباعية» وإعادتها للعمل بمصداقية أكثر - أمرا واقعيا يجدر التفكير فيه.

ففي شأن تحريك الملف الفلسطيني نحو الحل فهنالك إجماع بين أطراف «الرباعية» على مبدأ حل الدولتين، ما يشجع على بلورة خطة مطورة قابلة للتطبيق.

لقد تراجع مبدأ الاحتكار الأميركي للحل في المنطقة جملة وتفصيلا، فلقد أفشل الأميركيون الرباعية الدولية؛ لأنهم تعاملوا معها كمجرد إطار لإدارة شكلية لازمة مستعصية.

أما الآن فيبدو، ولو من قبيل الاستنتاج بالمقارنة مع المواقف الأميركية من أمور عدة، أن بالإمكان تراجع الأميركيين عن هذا الاحتكار غير المجدي وغير المنطقي، لمصلحة تعاون أكثر جدية مع الأطراف الدولية المعنية بالشرق الأوسط، والتي هي في محصلة الأمر لا تتناقض مع الرؤية الأميركية.

إن تفاهما بين القوى المشكلة لـ«الرباعية» الدولية على المبادرة وآليات تطبيقها.. سوف يحد من المواقف والسياسات الأحادية الجانب، وسوف يؤدي وبصورة تلقائية إلى إضعاف الفيتو الإسرائيلي على مجرد فتح الملف أصلا. فهل يفكر السيد كيري بهذا الاتجاه أم أنه سينفق وقتا طويلا في انتظار القرارات المؤلمة والمستحيلة من الجانبين؟

إن من ينزل الصاعدين عن أعلى الشجرة، ليس قرارا طوعيا منهم قد يكون فيه هلاكهم الداخلي، سواء في إسرائيل أم في فلسطين. فالذي ينزل.. هو الطرف الثالث، وهذه المرة لا أرى مرشحا لأداء هذا الدور سوى «الرباعية» الدولية، ولكن ليس على طريقة توني بلير وجهوده التي لم تعد ترى.