قمة روحية في فيينا

TT

تعلمنا ثم تثقفنا ثم تنورنا في مراحل من الدراسة ثم من خلال الجيد من المؤلفات والدراسات أن شهر رجب هو الفرصة المناسبة للمسلم الذي لم يكن في الأشهر التي انقضت على صراط مستقيم فيعوض في هذا الشهر صوما وعبادة عن اللامستقيمات التي سبق أن حدثت، وبهذا التعويض يستقبل مطمئن النفس صافي الروح شهر الصوم المبارك. كذلك تعلمنا أنه إلى جانب هذين الشهرين الفضيلين هنالك ذو القعدة وذو الحجة. والآية الكريمة حول الأشهر الأربعة الحرم ثم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم: «السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم.. »، إنما هي برسم الذين لا يستوقفهم المطلوب من المسلمين الذين لا يقفون بتهيب أمام الذي في الكتاب وفي الحديث الشريف عن هذه الأشهر الأربعة لجهة وقف الاقتتال إذا كان بدأ وإرجاء المنازلات إذا كان لا بد منها إلى ما بعد انقضاء الأشهر الحرم الأربعة. وكأننا بالآية الكريمة عن هذه الأشهر: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم»، كأننا بالآية ما يكفل عدول المسلم آمرا أو مأمورا بالقتال عن مواصلة ما يفعله على أساس أن أربعة أشهر من العبادة والصوم والانصهار في الحياة الهانئة بجوار الأهل والعائلة، من شأنها إحداث تحول إيجابي في النفس وبذلك يمكن أن يحل الحوار محل المنازلة والمجادلة بالتي هي أحسن محل المهاترات التي مفرداتها مثل القذائف الحارقة، وما أكثرها هذه الأيام في العراق وسوريا ومصر ولبنان وتونس وليبيا والسودان والأردن.

في الحرب العراقية - الإيرانية مضت عشرات من الأشهر الأربعة الحرم من دون أن يتأمل الجانبان وبالذات الجانب الإيراني الأكثر إصرارا على استمرار الحرب، في ما أراده الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - من واجب على المسلم، ألا يقاتل خلال تلك الأشهر، مع أن الأخذ بالآية الكريمة يوجب على الطرفين وقف القتال احتراما للأشهر الأربعة الحرم وبالذات لشهر رجب الذي فيه حدث الإسراء والمعراج.

ومنذ سنتين تحل الأشهر الأربعة الحرم والقتال بأشد الضراوة يتواصل في سوريا ومن دون أن يستوقف الجانبين المتقاتلين ومن يؤازرهما سلاحا ومالا ورجالا وتحريضا أنهما مسلمان وأن كتاب الله وحديث نبيه - صلى الله عليه وسلم - أوضحا أن في السنة أربعة أشهر حرم لا يقاتل فيها المسلم مسلما.

وفي رجب الذي ودعه المسلم واستقبل توأمه من حيث التبرك شعبان الذي تتهيأ فيه النفوس لملاقاة روحانيات شهر الصوم المبارك، نجد حزب الله يقص شريط الافتتاح لظاهرة جديدة في علاقات الجوار والعلاقات العربية عموما، فيرسل مقاتلين يحاربون مسلمين على أرض دولة جارة دفاعا عن نظام لم يتمعن رئيسه في قول الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: «من جارت ولايته زالت دولته». كما أن الحزب المؤازر نفسه لم يستحضر وهو يزج بمقاتلين لنجدة النظام السوري الحليف قول الإمام علي: «من شب نار الفتنة كان وقودا لها.. ». ومن المؤكد أن التهيب أمام رجب الحاضر استعدادا لرمضان الآتي واستكمالا للشهور المتبقية من الأشهر الحرم، كان كفيلا باستبدال هذه النجدة بما من شأنه إطفاء اللهب السوري الذي يزداد اشتعالا.

في ضوء استمرار المحنة السورية وما أفرزته من تداعيات لعل أبرزها ما بدأ يرتسم في المشهد أمامنا بالنسبة إلى احتمال حدوث فتنة سنية - شيعية، ما الذي يمكن أن يصيب الأمتين بعد الآن؟

لقد أوحى المجتمع الدولي وبالذات قواه الخمس الكبرى من خلال عدم التفاهم على وضع حد للمحنة السورية، بأنه يريد للمحنة أن تستمر.

وانتهى الموقف العربي من المحنة إلى أنه غير موحد وبالتالي غير قادر على أن يفعل أكثر مما فعله. وما زالت الفواجع السورية تتوالى فاجعة تلو فاجعة وتلك حالة غير مسبوقة.

إزاء ذلك وتطويقا للفتنة التي نشير إليها والتي تزايدت المخاوف من حدوثها وخصوصا في ضوء ما بدأ يقال بعد دخول حزب الله وغيره من أطراف شيعية عربية وإقليمية طرفا في مواجهة ذات طابع سني – شيعي وعلاقات أطراف سنية إسلاموية مشكوكة النيات والدوافع، نرى أن قمة روحية عربية - إسلامية استثنائية وتحديدا سنية – شيعية تنعقد في «مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي» في فيينا، تبدو ضرورية. وعندما نقترح هذا المركز بالذات فلأنه أثبت في عهد أمينه العام فيصل بن عبد الرحمن بن معمر جديته وحسن تناوله للقضايا المطروحة. كما أننا عندما نقترح الانعقاد في هذا المركز فلتفادي التأويل حول عقده في عواصم عربية أو إسلامية، أي زيادة في التوضيح، أن عقد القمة الاستثنائية هذه في «مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات» يتيح المجال لعلماء ورجال دين كثيرين لا يرون حرجا في الحضور، فضلا عن أن فضاء المناقشة يكون أرحب.

ومع أن المركز هو للحوار بين أتباع ديانات سماوية ومن أجل ذلك أنشئ، إلا أن الوضع الذي يعيشه المسلمون واحتمالات اقتراب الفتنة من الحدوث يوجب إدخال هذا البند في «أجندة» اهتمامات المركز الذي استوقفتنا شروحات أمينه العام فيصل بن معمر لوزراء نفط منظمة الدول المصدرة (أوبك) الذين زاروا مقر المركز يوم الأربعاء 22-5-2013 وخرجوا مبهورين بشروحات مضيفهم حول هذا المركز الذي أراده خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، أفضل سبيل، من خلال الحوار بين أتباع الديانات، للتعايش الإنساني الذي يؤلف بين القلوب، ونريده في ضوء ما يحدث من تداعيات أفرزتها المحنة السورية خير جامع للعقول التي تبقي الأمة في منأى عن شرور الفتنة السنية - الشيعية، خصوصا أن أي استرخاء في مسألة الفتنة المتوقع حدوثها يخدم الحقبة الإيرانية التي لم يعد خافيا مشروعها، وكيف أنها في ظل الارتباك الدولي - العربي إزاء الموضوع السوري ستكرس نفسها مالكة للقرار، أو فلنقل شريكة في صياغته وذات التأثير الفاعل، ليس في العراق وسوريا ولبنان وبعض أطراف الخليج إلى جانب بعض الأعماق في دول عربية وإسلامية، فقط، وإنما شريكة القوى الكبرى في رسم خرائط دول المنطقة ومستقبل شعوبها.