إذا لم يكن الآن فمتى؟

TT

مجموعة من شباب الخليج (نفخوا الصفارة) كما يقول المثل الغربي، كناية عن قرع الجرس للفت الأنظار وإشاعة الانتباه حول أوضاع الخليج العربي المهدد استراتيجيا. المجموعة من عشرين شابا وشابة أصدروا دراسة تتكامل مع بعضها، حول الأخطار المحيطة بالخليج. ليس مهما الآن أسماؤهم أو حتى ما نشروه من صحيح الأفكار أو إمكانية إخضاعها للمناقشة، المهم أن العمل يلفت النظر إلى التحولات الكبرى التي تحدث حولنا، ودور أهل الخليج فيها، وما يمكن أن ينتج عنها من مخاطر، والأهم أنها صادرة من عقول خليجية شابة تشعر بالتحديات حول مستقبلها، من المصادفة أن يكون العنوان الذي اختارته هذه المجموعة «الخليج 2013.. الثابت والمتحول» من إصدار مركز الخليج لسياسات التنمية ومقره الكويت، والمتحول في تقديري أكثر من الثابت، بل إن عناصره تزداد ليقلب الثبات إلى تحول.

ليس في نيتي هنا أن أدخل في مناقشة مفردات هذا العمل، فهو في التفاصيل ليس جديدا على المتابع، أهمية الدراسة أنها وضعت بين دفتي مطبوعة على النت، أقر أصحابها أنهم على استعداد لمناقشة كل أو بعض ما طرح من أفكار، كما لم يخفوا تحيزهم المسبق المشوب بالقلق على المستقبل.

ما أرغب فيه هو إضاءة – إن أمكن – على عمق التحولات التي تجري حول الخليج وفيه، والتي يمكن أن تؤثر على أهله وعلى استقراره، أفضل تعبير لتوصيف الحال حولنا، أنه إعصار يضرب المنطقة، وتداعياته يمكن أن تلاقي نواقص الداخل بالخارج لبث نوع غير مسبوق من عدم الاستقرار.

أمس تمت في إيران انتخابات رئاسية جديدة هي الحادية عشرة، يجمع المحللون أنها تخضع لديمقراطية شكلية في مجتمع مأزوم، لن تغير النتائج في الموضوع شيئا، سياسة إيران الخارجية ذات الطموح التوسعي تبقى كما هي، فهي توضع من قبل أشخاص ومؤسسات فوق الانتخابات وبعيدين عن المساءلة، سوف تستمر تلك السياسات التي ترنو إلى توسع في الخاصرة العربية، الأسباب كثيرة تدفع لفعل ذلك، وهي اليوم طموحات لا تخفى عن المطلعين على الشأن الإيراني، إيران ترغب وتعمل في توسيع نفوذها حول الخليج، مستفيدة من التسامح الذي تغذيه مقولة (عدم الاستفزاز). إن أثمر ذلك، فثمة موعد سقوط الخليج ثمرة يانعة في الحضن الإيراني، هو تحصيل حاصل، بأقل قدر من الجهد وسوف يدور الخليج - راغبا أو مرغما - في مدار النفوذ الإيراني.

الدول العربية الكبيرة غارقة في مشكلاتها، بل إن قطاعات سياسية فيها لا تخفى القول المعلن، إن كثيرا من مشكلاتها قد تسببت فيها دول الخليج، سواء كان ذلك القول واقعا على الأرض أو متخيلا في الأذهان، إلا أن صداه صادح في فضاء النقاش لدى النخب في تلك البلدان، مما يشكل موقفا سلبيا تجاه دول الخليج، يستتبعه احتمال فراغ استراتيجي عربي حول دول الخليج التي تتهم بشتى أنواع الاتهامات، فحال النظام العربي في مرحلة احتضار الذي لا يستطيع معه أن يأتي بحركة.

الدول الغربية واضح انحسار نفوذها لعدد من الأسباب، منها على سبيل المثال لا الحصر الأزمة الاقتصادية التي تضرب بقسوة السوق الرأسمالية الغربية والتي من جرائها تقلص الدول الغربية من ميزانيات التسليح، ومن جهة أخرى قرب الاكتفاء الذاتي أو قل الاستغناء عن مصادر الطاقة في الخليج لتغذية الصناعة الغربية من مدخلين؛ الأول، هو تصاعد اكتشاف الغاز والنفط من مصادر داخل تلك الدول، خصوصا الولايات المتحدة، والثاني، المبالغ الكبيرة التي تستثمر اليوم من أجل الحصول على طاقة بديلة، يجمع الخبراء أنها ستكون متاحة، أي الطاقة البديلة، في غضون عقد من الزمان، أضف إلى ذلك أن المعدة الغربية (الاقتصادية والسياسية) لم يعد بمقدورها هضم تدخل آخر على مستوى الدفاع عن (المصالح أو الأصدقاء) تكرارا كما حدث في تسعينات القرن الماضي في الكويت، أو أوائل القرن في كل من العراق وأفغانستان، تلك أيام خلت.

الاستراتيجية الغربية الآن تعيد النظر في مسلمات كثيرة، مراكز التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة تتحدث عن (عوالم متعددة) و(عوالم بديلة)، بل إن الأزمة السورية أثبتت بما لا مجال إلى نكرانه أن (العوالم المتعددة) هي في التشكل السريع والتأثير أيضا، فموقف روسيا هو الذي منع الغرب من التحرك الإيجابي تجاه حقوق الشعب السوري، بل ذهب مسؤولوها إلى موسكو، في حج غير مسبوق، من أجل البحث في مخارج للمعضلة السورية، تميل كفتها إلى الرأي الروسي.

أكبر جزء من النفط والغاز الخليجي يستهلكه الشرق، الصين والهند واليابان، أصحاب القرن الواحد والعشرين، وهي قوى لم يعرف عنها الإسراع لمساعدة الأصدقاء، فهي في الغالب ترى أنه ليس من الضرورة التأكد من لون عيون بائع الطاقة، المهم أن يوجد بائع يلبي الحاجات!! في الوقت نفسه تصرف دول الخليج أعلى نسبة في العالم من إجمالي الناتج القومي على الإنفاق العسكري، إلا أن هذا الإنفاق بين عدد من الدول الصغيرة، التي بعضها يفتقد حتى العمق الاستراتيجي للمناورة، لن يكون لقدرته العسكرية منفردا تأثير إلا في مدى زمني قصير.

محصلة ذلك أن الوضع الجيوسياسي في المنطقة ينذر بالخطر، إن لم يكن في القريب العاجل، ففي القريب المنظور وتداعياته شاخصة.

يذهب التحليل المنطقي أمام كل تلك المعطيات، إلى أن الدفاع عن الدول الخليجية (خاصة الصغيرة) منفردة يميل إلى الضعف في ضوء التحديات القائمة والمحتملة، والنتيجة المنطقية هي العودة من جديد إلى التفكير الجاد والموضوعي لإحياء العمل على الوحدة الخليجية التي طالبت بها الدراسة المشار إليها في صدر هذا المقال، وطالبت بها عدد من القطاعات الشعبية في الخليج لعدد من العقود من دون طائل.

تجميع جدي للموارد الاقتصادية والإنسانية وحسن التصرف فيها لبناء منظومة قادرة على مواجهة الخلل الهيكلي الداخلي والتحديات الخارجية العاصفة هي الحل السريع لمواجهة ما تأتي به العواصف، إذا لم تكن كل هذه التحولات الجيوسياسية التي تعرض أمن الخليج إلى خطر داهم مقنعة للبعض باتخاذ خطوات لحماية البيت الخليجي، فمتى ترى سوف يتم التفكير الجاد في الأمر؟ البعض يعتقد خطأ أن (القائم دائم) وأن التعايش مع الخلل المزمن ممكن، ذلكم تفكير قديم وخطير في نفس الوقت، فهل آن الأوان إلى التفكير بعيدا عن النظرة القصيرة والتقوقع في المكان، على أساس أن كل تلك التغييرات العاصفة حولنا لن تطالنا، فنحن غير؟ وعلى أي وجه نحن غير؟

آخر الكلام:

تورط حزب الله في القتال ضد مطالب الحرية في سوريا ينقله من (مقاوم) إلى (مناصر للاستبداد) ويضعه من معادٍ للأغلبية إلى معادٍ للحرية، وبيان مجلس التعاون ضد مصالح الحزب في الخليج يعني إعلان العداء له ومنتسبيه، ويعني أن أوراق التوت قد سقطت، ولكن الصراع لا تدخله الأطراف المختلفة بنصف سلاح!!