اليسار يقف صامتا أمام انتهاك الحريات المدنية

TT

أين ذهبت الحريات؟ يدافع الرئيس أوباما، الذي اتهم إدارة بوش حين كان عضوا في مجلس الشيوخ بانتهاك الحريات المدنية باسم الأمن، الآن بقوة وحماس عن جمع إدارته لتسجيلات مكالمات الأميركيين الهاتفية وأنشطتهم على الإنترنت. وقال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، إنه يعتقد أن الكونغرس لم يتجاوز الحد الأدنى للمراقبة الاستخباراتية. وماذا كان دليله؟ استطلاعات الرأي. ودافعت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، عن شرعية البرامج بقولها إنها تريد مساءلة إدوارد سنودن لتسريب تفاصيل خاصة بالعمليات السرية. واتهمت ديان فينستين، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، ورئيسة لجنة الاستخبارات بالمجلس، سنودن بالخيانة ودافعت عن الشهادة الزور التي أدلى بها مدير الاستخبارات الوطنية أمام اللجنة والتي أنكر فيها خلال شهر مارس (آذار) وجود مثل هذه البرامج.

على الجانب الآخر، كان موقف المشرعين التقدميين والمعلقين الليبراليين تجاه برامج التجسس السرية سلبيا وخانعا مع وجود بعض الاستثناءات. وكانت تلك البرامج لتثير غضب اليسار لو كانت إدارة جمهورية هي التي وراءها. وعندما اقترح عضو مجلس الشيوخ الليبرالي الجمهوري عن ولاية كنيتيكت، راند بول، الأسبوع الماضي تشريعا للحد من المراقبة، لكن لم يدعمه أحد. وعندما عقد مؤتمر صحافي خلال الأسبوع الحالي للكشف عن دعوى قضائية بعدم دستورية المراقبة، انضم إليه خمسة أعضاء فقط في الكونغرس وكلهم من الجمهوريين.

وبحثت عن معارضة ليبرالية، وفي صباح يوم الأربعاء وردت أنباء عن لقاء مجموعة تسمى «فويس أوف ريسيستانس» أو «صوت المقاومة» أمام مبنى الكونغرس، حيث يعلن متظاهرون سنودن بطلا ويجلدون عروسة للنائب الجمهوري عن ولاية نيوجيرسي، بيتر كينغ، وهو من أوائل الذين نعتوا سنودن بالخائن. وصلت في المكان والوقت المحدد، لكنني لم أجد أي احتجاج، بل وجدت ستة صحافيين ومتظاهر واحد كان يرتدي قبعة بيسبول مكتوبا عليها شعار مناهض للإجهاض. وأخبرني أن المجموعة كانت ذات توجه يميني. وأوضح قبل أن يغير الموضوع ويتحدث عن راش ليمبو قائلا: «يصفّ الآخرون سياراتهم». وقدّم استطلاع رأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» ومركز «بيو» للأبحاث الأسبوع الحالي، دليلا مثبطا للهمة على أن الديمقراطيين تجاهلوا شكوكهم في تمادي الحكومة التي يتولى مسؤوليتها واحد منهم. ويقول 69 في المائة من الديمقراطيين إن تحقيقات الإرهاب مقدمة على الخصوصية بين اهتمامات الحكومة، مقابل 51 في المائة عام 2006 عندما جرى فضح أمر برنامج التنصت غير المصرح به الذي كانت تنفذه إدارة بوش. ورأى 37 في المائة في ذلك الوقت أن أعمال هيئة الاستخبارات الوطنية مقبولة، مقابل 64 في المائة حاليًا. وذهب الجمهوريون في الاتجاه الآخر وأصبحوا فجأة أكثر إدراكا للخصوصية. بالطبع هناك اختلافات بين اللحظة الآنية واللحظة الماضية، فاليوم يجري العمل بالبرنامج تحت إشراف المحكمة وعلى الأقل موافقة الكونغرس الشكلية. وتتحايل الإدارة على القانون الذي ينص على جمع التسجيلات «ذات الصلة» بزعم أن كل المكالمات الهاتفية لكل الأميركيين ذات صلة. ولم يتضح بعد ما إذا كان سنودن فضح الأمر بدافع الإخلاص أم أنه شخص أراد الإضرار ببلده.

مع ذلك يظل من المؤلم والصادم أن نرى اليسار مذعنا وخنوعا الآن في ظل موافقة رئيس ديمقراطي على المراقبة. وحتى إذا ثبت في النهاية أنه من الممكن الدفاع عن البرامج، ألا يجدر اكتشاف ماهيتها قبل تقبل الليبراليين للحرمان من الحريات المدنية وهو ما قد يندمون عليه فيما بعد؟ وأوضح ريد نقطة ضعف حجة الليبراليين، حيث أكد لصحافيين الأسبوع الحالي أن أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ «بذلوا أقصى ما في وسعهم، في رأيي، من أجل الرقابة. لهذا يدعم الشعب الأميركي كما اتضح في استطلاعات الرأي، التي رأيت اثنين منها اليوم، ما يحدث بمحاولة منع الإرهابيين من القيام بما يضر مصالحنا».

وفي الوقت الذي يختبر فيه ريد الرياح السياسية لتحديد الحقوق الدستورية التي ينبغي أن يتمتع بها الأميركيون، يدافع الذين يفترض بهم الإشراف على البرنامج عنه بمنطق «عليك الوثوق في». وأعلنت فينستين أن هذه البرامج تقع في إطار القانون. ووعد داتش روبيرسبيرغر، العضو الديمقراطي البارز عن ولاية كاليفورنيا في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، قائلا: «لن ننتهك أي حقوق دستورية». وقال الاثنان إنهما يريدان معرفة المزيد عن البرنامج، لكن كانت محاولاتهما السابقة في هذا الاتجاه ضعيفة. ولم يدعم تقاليد الحزب بالدفاع عن الحريات المدنية سوى بضعة ديمقراطيين مثل جون كونيرز (ولاية ميشيغان) الذي قدم مشروع قانون مع النائب المحافظ الجمهوري عن ولاية ميشيغان، جاستين أماش، من أجل تقييد البرنامج، وعضو مجلس الشيوخ الديمقراطي، جيف ميركلي، الذي اقترح مع العضو الجمهوري عن ولاية يوتاه، مايك لي، مشروع قانون يحظى بدعم ثمانية أعضاء في مجلس الشيوخ يطالب بالمزيد من الكشف عن أحكام المحكمة السرية. مع ذلك من المرجح ألا يسفر مشروع كونيرز عن أي شيء في مجلس النواب، ولم يكن ريد متحمسا لمقترح ميركلي، حيث قال إنه سيكون سعيدا إذا ألقى نظرة عليه. وإذا ألقى نظرة، سيجد أنهم يفعلون ما يجب على التقدميين فعله وهو حماية الناس من حكومة تحيط أعمالها بالسرية التامة.

*خدمة «واشنطن بوست»