مشكلتنا مع الديمقراطية

TT

اعتقدنا بالأمس القريب أن كل ما نحتاجه للنهوض والتقدم هو الديمقراطية. جربناها فإذا بها ترجعنا إلى الوراء بدلا من دفعنا إلى الإمام. كثر التساؤل والتفسير. وكان منهما زميلنا نديم فرحات. كتب إليّ ليقترح هذا الحل الظريف. قال علينا بالتزاوج مع الغربيين. يتزوج رجالنا من نسائهم وتتزوج نساؤنا برجالهم. فيكتسب أولادنا جيناتهم ويتعلم كبارنا من نسائهم ورجالهم.

الحقيقة يا عزيزي نديم، أن في قولك كثيرا من الحكمة، فمعظم من دانوا بالديمقراطية كانوا ممن تزوجوا بأوروبيات أو درسوا أو عاشوا في الغرب. ولكن لي تحفظ واحد هو أن زواج الغربيين ببناتنا قد يؤدي إلى خراب بيوتهم.

وكتب لي السيد جعفر من بغداد ليتساءل لماذا عجزت الأمة الإسلامية أن تنجب رجلا مثل غاندي؟ هذا سؤال كثيرا ما خطر لنا. ومثله السؤال عن مانديلا. لماذا لم تستطع نساؤنا إنجاب رجل مثله؟ هل عقمت أرحامهن عن مثل ذلك؟

أول ما يلفت النظر في هذين الزعيمين، هو أن كليهما قد انحدرا من أسرة أرستقراطية تحظى باحترام وإجلال كبير بين قومهما. وثانيا أنهما كانا على درجة عالية من الثقافة وسعة الاطلاع. وثالثا أنهما أظهرا استعدادا عجيبا وغير طبيعي للتضحية من أجل رسالتهما.

بيد أن المهاتما غاندي كان محظوظا أيضا في أنه كان يبشر برسالة وأسلوب الجهاد المدني اللاعنفي لأمة تؤمن عقائديا باللاعنف وتحرم قتل الأحياء. بينهم من يعد حتى قتل ذبابة أو بعوضة إثما كبيرا. فللذبابة في عرفهم روح ولا يحل قتل أي روح. وهذه طبعا خلفية تختلف كليا عن خلفيتنا وتاريخنا. ولهذا لقي أذنا صاغية عندما بشر باللاعنف والمحبة. وربما نجد أن هذه الدولة الكبرى الهند، كانت الدولة الوحيدة التي حصلت على استقلالها من دون إراقة قطرة دم واحدة. وما دمت بدأت بالحديث عن الديمقراطية، فلا بد أن تكون هذه الحقيقة من الحقائق التي مكنتها من التمسك بالروح الديمقراطية وتحاشي الانقلابات العسكرية كليا.

الحقيقة يا سيدي جعفر أن أرحام النساء المسلمات لم تحرم من إنجاب رجال من طراز غاندي كليا. ففي الهند أيضا أنجبت نساء البتهان على سفوح جبال الهيمالايا القائد الفذ عبد الغفار خان، أو بدشاه خان. لقد صاحب غاندي في رسالته وقاد مسلمي الهند للمشاركة في الحملة من أجل استقلال الهند بأسلوب الجهاد المدني. وسأتعرض لحياة هذا الرجل في مقالة مستقلة فيما بعد.

ومن المملكة العربية السعودية، كتب لي السيد أبو ديمة بما يذكرنا بتراثنا حاضرا وماضيا فقال إن الحكومات العسكرية التي سادت بعض بلدان العالم العربي لا تفهم غير القوة. لقد انتزعوا الحكم بالقوة وما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالسلاح. هذا في الواقع يا عزيزي أبو ديمة ما قاله أحد رؤساء الحكومة العراقية عندما قال «لقد جئنا بالدبابة ومن يرد أن يأخذ الحكم من أيدينا عليه أن يأتي بالدبابة». سرعان ما سمعوا كلامه فأطاحوه بالقوة، وراحت حلقات القوة تتوالى حتى سقط الحكم بيد صدام حسين وانتهى بالعراق إلى ما هو عليه اليوم.