السيدة والدكتوراه

TT

منحت الجامعة الأميركية في بيروت الدكتوراه الفخرية التكريمية لأربعة: المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، عالم الفضاء شارل عشي، رجل الأعمال راي إيراني، والسيدة فاتن حمامة. تمثل فاتن أحمد حمامة التي دخلت السينما طفلة في السابعة، أكثر مما يمثله المفكر النخبوي الموضوعي تشومسكي، وعالم الفضاء البالغ التواضع لكثرة عمله، ورجل الأعمال العامل في الخير أيضا.

فاتن من عصر كانت فيه الفنانة وجه البلد. كان يكتب السيناريو نجيب محفوظ ويخرج الفيلم يوسف شاهين ويضع الموسيقى محمد عبد الوهاب. كانت فاتن للسينما ما كانته أم كلثوم للغناء، إذا حضرت حضر لها الكبار، كل في ألقه. ومثلها كانت شخصية من مصر، تجتذب من حولها الناس ويتجمع على أفلامها العرب، مفتونين برنة صوتها في السينما كما يفتنهم علو صوت أم كلثوم في الشدو. ومثلها لم تتفرج على مصر، بل حضنت قضاياها وعانقت معذبيها ونقلت قضايا ضعفائها إلى قلوب الناس، المتحجرة منها والتي هي قلوب.

لم يعد للفنان وجود في مجتمعه ولا عاد لرنة صوته أثر الدمع والفرح والافتخار في قلوب الناس. ولم يعد الفن طريق مصر إلى قلوب العرب. ضمن إطارها وعالمها، أثرت فاتن في الناس أكثر بكثير من نعوم تشومسكي. وربما كانت أكثر شجاعة في ما واجهت في موقفها مع الإنسان، حرا لا أجيرا ولا زلمة.

رأى فيها عبد الناصر خدا من خدود وجه مصر، لكن مدير مخابراته رأى فيها مشروع مخبر له علاقات كثيرة. لذلك تركت مصر، وتركت لصلاح نصر عالمه. ولم يعِش هذا ليرى ماذا فعل بمصر وبالمصريين ولا لمن قرر علماء الجامعة الأميركية منح الدكتوراه. شكلت فاتن جزءا من مشاعري في طفولتي ويفاعي، وكان في صوتها تعزية لي، ولم يخطر لي مرة أنها ممثلة وهذه شاشة، بل كنت أشعر أنها تخرج من الشاشة لتواسي جميع الحضور الدامع لدمعها، المتحرق للظلم اللاحق بعذوبتها، المتأهب للدفاع عنها، يتيمة أو مهجورة أو زوجة تكابد قهر النهار وضنك الليل.

وضع الشعراء القصائد لكي تغنيها أم كلثوم وعبد الوهاب. ووضع الروائيون القصص لكي تناسب شخصية فاتن. وكل دور مثلته كانت هي فيه أسطورة صغيرة من صوت حنين وعينين كعيون المها عند العرب.