البحرين.. أثر العنف على الأطفال ودرؤه

TT

مما لا ريب فيه أن دفع الأطفال للمشاركة في المظاهرات السياسية وأعمال الشغب تمثل إشكالية حقيقية، لأن هذا النوع من أنواع العنف هو انتهاك لحقوق الطفل التي تنص عليها جميع الدساتير والمواثيق الدولية، مثل اتفاقية حقوق الطفل العالمية، التي تشدد على وجوب حماية الطفل من جميع أنواع العنف والإيذاء والاستغلال البدني والنفسي، والبروتوكول الاختياري الملحق بها، والذي ينص على وجوب منع مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة والصراعات السياسية، كما أنها إشكالية، لأنها ضد القيم والأخلاق الدينية، فالدين الإسلامي دعا إلى التسامح ونبذ التعصب والتفرقة، كما في قوله تعالى في كتابه الكريم «يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أقربكم عند الله أتقاكم». والعنف يعدّ ضد المبادئ التربوية وتهديدا للكيان النفسي والصحة النفسية للطفل، إذ تدل الدراسات العلمية أن للعنف أضرارا نفسية بالغة على الأطفال، فهو يؤدي إلى أعراض مرضية جسمية أسبابها نفسية، كالصداع وآلام البطن والجسم، واضطرابات النوم والطعام، وعلى المدى البعيد تتحول إلى أمراض أكثر خطورة كالاكتئاب وفقدان الإحساس بطعم الحياة، وبالتالي إلى الميل الانتحاري ثم الهلاك. إذن يعتبر زج الأطفال في المظاهرات السياسية، وتحريضهم على العنف والقتل، إهدارا للطاقات البشرية وخسارتها. فبدلا من أن يستمتع الأطفال واليافعون بإطلاق طاقاتهم الحيوية، وتنمية قدراتهم ومواهبهم الإبداعية، والاستثمار في عقولهم، نراهم يفقدون طفولتهم البريئة، حيث تشوه نفسياتهم بالحقد والكراهية والرغبة في الانتقام، ويصبحون وقود المظاهرات السياسية وضحاياها، ليخسروا ليس مستقبلهم الأكاديمي والمهني، بل إنسانيتهم.

ومع الأسف، فإن ما يحدث في مملكة البحرين هذه المملكة الصغيرة الجميلة الوادعة، من عنف في المدارس والشوارع من قبل بعض الأطفال الذين حرّضوا من قبل بعض المغرضين هو مؤامرة ممنهجة تتبع لأجندة خارجية، لأنها بعيدة عن أخلاق الشعب البحريني. ولا شك أن تصريحات وزارة التربية والتعليم مؤخرا تبدو مثيرة للقلق، فقد صرح بعض المسؤولين بأن عدد الاعتداءات قد أصبح 192 اعتداء كلف ميزانية الدولة أكثر من مليوني دينار. وكما صرح وزير التربية بأن الاعتداء على المدارس قد جرى بشتى الصور والأشكال التخريبية، أثناء وجود الطلبة في المدارس وبعد الدوام الرسمي، من حرق وتخريب وتكسير، وسرقة طفايات الحريق، وإلقاء الزجاجات والأجسام الحارقة على المدارس، ناهيك عن عنف الشوارع.

وتشير بعض التقارير بوزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين أنه قد عولج أكثر من 5200 طالب وطالبة عانوا من الآثار الجسمية والنفسية. وبعض الأطفال أصبح لديهم إرهاب المدرسة وباتوا يخافون من المكان المفروض أن يكون آمنا وحاميا لهم ومنهلا للعلم والأدب، أصبح مصدر خطر عليهم وبات يهدد أمنهم.

ولكن تبقى مسألة حماية الأطفال من التأثر من الاضطرابات السياسية المتكررة، وهنا لا بد أن تتكاتف الجهود في هذه المسؤولية المجتمعية من دور الأسرة والمدرسة والجهاز الحكومي، فجميع قطاعات المجتمع الرسمي والأهلي والأفراد ينبغي أن تلعب دورا في هذا الشأن.

فعلى مستوى الأسرة يجب أن يكون الوالدان هما النموذج الصالح والقدوة الحسنة للأبناء بأن يمتنعا عن ممارسة سلوك العنف أنفسهما، وكذلك عليهما عدم إثارة الشعور بالكراهية والميل للانتقام لدى أبنائهم نحو الآخر المختلف دينيا أو عرقيا أو مذهبيا أو سياسيا. لأن العنف لدى الأطفال لا يأتي من فراغ، بل يتأثر ببيئة الأسرة بالدرجة الأولى، ويجب أن يعرفوا أنهم غرسوا العنف والكراهية في نفوس أبنائهم فالخاسر الأول هم أنفسهم.

كما أن على القائمين على التربية والتعليم العمل على إصدار وتفعيل وتنفيذ التشريعات والقوانين التي تحد من سلوك العنف في المدرسة، وتحديد العقوبات المترتبة على سلوكيات العنف. ويجب تدريب المعلمين على أساليب التعامل مع العنف الطلابي عن طريق إقامة ورش عمل وندوات توعوية. وبرأيي من المهم أن يدرب الطلاب في المدرسة وأن يكونوا فرسان سلام أو وسطاء لمنع العنف عن طريق برامج تربوية يتم تدريبهم فيها على بعض المهارات الاجتماعية وأساليب حل الخلاف والتعامل مع العنف، والبدائل الإيجابية للتعامل مع الشعور بالغضب عن طريق التعبير عن المشاعر أولا بأول قبل أن ينفجر ويصبح كالبركان الثائر. والتدريب على أسلوب حل المشكلات بدلا من التهور، واستخدام أساليب الإرشاد السلوكي المعرفي، بتعديل الاتجاهات السلبية، واستخدام الكلام الداخلي: مثل قف أو العد للعشرة، أو استخدام الخيال الإيجابي، وتمرينات الاسترخاء الذهني والعضلي.

وعلى مستوى المجتمع أعتقد أن على الدولة تبني استراتيجية وطنية عامة للحد من عنف الشوارع في مملكة البحرين على شكل شراكة مجتمعية، تشارك فيها وزارات التربية والتعليم والداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية والتنمية الاجتماعية والثقافة والإعلام. لعمل برنامج وطني، لمحاربة العنف، وتعمل على تبني بعض الأهداف أهمها ما يلي:

أ‌. نشر ثقافة الحوار والتسامح وقبول الآخر المختلف في المجتمع بشن حملات في وسائل الإعلام وفي المؤسسات الدينية. وأن حل الخلاف ليس فيه رابح أو خاسر، وأن أحيانا الحلول الوسط مجدية، أو بعض الحلول قد يكون فيها كل طرف رابح.

ب‌. العمل على تأهيل اختصاصيين في مجال الإرشاد النفسي للتعامل مع المشكلات السلوكية للأطفال واليافعين، وإنشاء مراكز إرشاد نفسي واجتماعي لحل مشكلات الأطفال، واستخدام أساليب الإرشاد الفردي والجمعي.

ج. دمج الأطفال الذين يستغلون في العنف في مجتمعهم الكبير، وغرس المواطنة الصالحة في وجدانهم، وأن الولاء للوطن أولا، والعمل على إخراجهم من عزلتهم في بيئتهم الضيقة في القرى والمناطق النائية إلى الوطن الأم. وهناك عدة أساليب لذلك، منها المشاركة في العمل التطوعي، وخلق برامج اجتماعية رياضية وفنية مشتركة بين جميع الطوائف، وتشجيع التجارب الناجحة ومكافأتها لتصبح نموذجا يقتدى به، من أجل زرع بذور السلام في نفوسهم بدلا من بذور الكراهية والعنف، وخلق الإحساس بالتعاطف لديهم، وإبعادهم عن التأثير السام للاستغلال السياسي والطائفي، يجب أن يكون أساليب جذب الدولة أقوى وأكبر من وسائل إغراء الجهات المتربصة بالأطفال والشباب. وأعتقد أنه يجب على التربويين وعلماء النفس ورجال الدين، من جميع الطوائف أن يلعبوا دورا بارزا في تحقيق هذا الهدف.