الكويت.. ديمقراطية متعثرة

TT

ذلك هو اليوم الذي كنتم له تنتظرون، ذلك اليوم الذي انتظرته المعارضة الكويتية والحكومة وأعضاء مجلس الأمة الحالي الذي قاطعه الكثير من أبناء الكويت. هو يوم مهم لأنه اليوم الذي من أجله أوقفت المعارضة كل أنشطتها وتحركاتها، أما مجلس الأمة الحالي فقد حبس أعضاؤه أنفاسهم لا يعلمون ماذا يخبئ القدر- المحكمة لهم. أما الحكومة فيبدو أنها قد تنفست الصعداء أمام التحصين الدستوري لآلية التصويت بصوت واحد.

من الصعب تحديد تاريخ بداية الأزمة في الكويت، ولكنه وعلى الأقل ومنذ العام 2006 لم يكن من الصعب أن نلحظ توالي الأزمات، وأهمها كان تأزم العلاقة بين المجلس والحكومة. فمنذ ذلك العام توالت على الكويت ما يقارب الثماني حكومات برئيسين مختلفين وأربعة مجالس للأمة، وها نحن نوشك على رؤية خامسها. نجحت الاعتصامات المدنية والمظاهرات في ساحة الإرادة في العام 2009 التي انتهت باقتحام مجلس الأمة في الدفع برئيس الوزراء السابق لتقديم استقالته مرة جديدة للأمير، ولكن وعلى الرغم من رفض الأخير لهذه الاستقالة مرات عدة، لم يكن هناك من سبيل لنزع فتيل الأزمة واحتواء الغضب الشعبي إلا بقبول هذه الاستقالة. وكان أن حل مجلس الأمة (مجلس 2009) تباعا من قبل الأمير. تمت بعد ذلك الدعوة لانتخابات مجلس أمة جديد (2012) في وسط هذه الأجواء المتوترة فأفرزت الانتخابات أغلبية معارضة في معظمها إسلامية وقبلية، ولم يكن وقت طويل حتى كان قرار المحكمة ببطلان هذا المجلس لخطأ إجرائي شاب مرسوم حله، ليعود بعدها مجلس (2009) من جديد.

لقد جرى الاعتقاد بين الكويتيين بأن قرار حل مجلس الأمة (مجلس 2009) كان قرارا شعبيا حصل عليه الناس بعد تضحيات، ولهذا السبب لا يمكن عودته للانعقاد، وكان الأمر كذلك بالفعل إذ لم يجتمع هذا المجلس لمرة واحدة، وهكذا فقد أعيدت ولادته ميتا في الواقع. وخوفا من حدوث فراغ دستوري، خرج الأمير بقرار حل مجلس الأمة 2009 بدون الدعوة لانتخابات، وفي نفس الوقت، وتحسبا لمخرجات مجلس معارض كمجلس 2012 حاولت الحكومة أن تعيد ترتيب الدوائر الانتخابية وذلك بأن طعنت في دستورية هذه الدوائر أمام المحكمة الدستورية. كان ذلك سببا كافيا لأن تتحرك الأغلبية النيابية بقواعدها الانتخابية إلى ساحة الإرادة رافضة أي تغيير في الدوائر الانتخابية يأتي من خارج مجلس الأمة وفي بعض الأحيان مهددة للقضاء بأن ينصاع لرغبات الحكومة. وكان أن أتى قرار المحكمة الدستورية بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بالنظر في عدالة توزيع الدوائر الانتخابية، وهو القرار الذي أثلج صدور الأغلبية المعارضة في مجلس 2012. ولكن هذه الفرحة لم تتم، إذ صدر مرسوم أميري يقضي بتعديل آلية الانتخاب بجعلها صوتا واحدا لكل ناخب بدلا من أربع أصوات، وهو الأمر الذي قاد لحراك شعبي غاضب غير مسبوق أنتج ما سمي بمسيرات «كرامة وطن»، وهي المسيرات التي كانت سببا ضروريا وليس كافيا للأزمة الكبيرة التي نراها اليوم. أجريت انتخابات الصوت الواحد في 2012 بمقاطعة كبيرة من القبائل والمناطق البعيدة عن العاصمة وأنتجت مجلسا هشا هزيلا لأسباب عدة لا داعي للوقوف عندها الآن.

اليوم قضت المحكمة الدستورية في الكويت بحل مجلس الأمة الذي أفرزته انتخابات الصوت الواحد. كما أمرت بإجراء انتخابات لاختيار مجلس جديد. وأعلن يوسف المطوع، رئيس المحكمة، الأحد أن المحكمة رفضت طعون المعارضة في التغييرات التي أجراها أمير الكويت على نظام الانتخابات، الأمر الذي يعني أن المحكمة أقرت بدستورية مرسوم الصوت الواحد الذي أصدره الأمير، وجرت بموجبه الانتخابات البرلمانية في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

إن تدخل القيادة السياسية في قانون الانتخاب هذا العام ليست بالحادثة غير المسبوقة فلقد سبقتها عدة محاولات من قبل في عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد. أما أسباب هذا التدخل فقد كان محركها العام هو الأمل في تغيير شكل التمثيل البرلماني أي الحصول على برلمان موال للحكومة، ولكن الحقيقة هي أن هذا الأمل لم يتحقق للحكومة في الغالب الأعم.

لكل أزمة سياسية أطراف، وأطراف هذه الأزمة هما: السلطة ممثلة بالأمير والحكومة من طرف، وأغلبية مجلس 2012 المعارضة من طرف آخر. بعد حل برلمان 2012 حاولت هذه الأغلبية إعادة إنتاج نفسها من خلال حركة سياسية مؤقتة يقودها نواب المجلس المبطل ولكن ومع مرور الوقت اتضح مدى تفكك هذه المعارضة لأسباب عدة لا داعي للوقوف عليها هنا. الحال أن المعارضة حاولت إظهار قوتها في مقاطعة انتخابات الصوت الواحد. بعد حكم المحكمة اليوم تجد المعارضة نفسها في وضع لا تحسد عليه، فالكثير من الكويتيين يطالبون باحترام القانون والانصياع له خوفا من «ربيع عربي كويتي» تكون نتائجه كارثية، أما المعارضة فيبدو أنها لا تقبل التنازل وإعلان الهزيمة باكرا. ما زالت ردود فعل المعارضة رمادية إذ ما زالت تتباحث في خياراتها أمام السلطة، ولكن ما سرب من أخبار يوحي بمقاطعتها لهذه الانتخابات أيضا والتي قررت المحكمة الدعوة لها بعد شهرين. لا يبدو قرار المقاطعة هذا قرارا حكيما، إذ أن هذا من شأنه أن يسهل للحكومة عملية عزلها السياسي، لقد كانت تلك هي حكمة القدماء ويبدو أنها مازالت صحيحة.