رئيس «روحاني» حقا؟

TT

تابع العالم نتائج انتخابات الرئاسة في إيران التي أسفرت عن فوز المرشح روحاني، وهو الأقل تشددا من بين المرشحين الذين وافق عليهم «مسبقا» المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. فالنظام الإيراني بانتخاباته فريد في نوعه جدا؛ فهو ديمقراطية بين المرضي عنهم من رجل واحد، هكذا نحن في الشرق الأوسط، لدينا أنظمة تروِّج نفسها على أنها «ديمقراطية» ولكن لها طبختها وخلطتها الخاصة جدا، وكذلك الأمر في إسرائيل التي تمنع أن يترشح فيها أحد إلا إذا كان يهوديا، هذا رغم وجود طوائف ومذاهب وأعراق أخرى هناك؛ مثل العرب والمسلمين والمسيحيين والدروز والبهائيين والهندوس من حملة الجنسية الإسرائيلية، إلا أن الدستور الإسرائيلي يعتبر أن «الحق» في المناصب الكبرى، بما فيها رئاسة الوزراء والجمهورية، هو لأبناء اليهود فقط، وذلك بأسلوب عنصري، لم تعرفه إلا دول مثل جنوب أفريقيا بنظامها الآبارتيد العنصري.

وطبعا، هناك ديمقراطية لبنان، المقسمة كقطعة الجاتوه على الفرق والطوائف، بشكل يكرس الانقسام، ويعزز التفرقة، ويجعل حلم الدولة العصرية المدنية وحق المواطنة الكاملة مسألة صعبة جدا وبعيدة المنال. ولذلك، كان حلم الربيع العربي واعدا ومقنعا. حلم جاء بوعود المساواة والتمثيل الحقيقي للمواطن وإرساء قيم العدالة والحرية والكرامة، وهي مفردات باتت مفقودة تماما من قواميس الحياة والسياسة في العالم العربي، ومن عند مواطنيه هذه الأيام. وطبعا، لا تزال ولادة هذا الربيع قيصرية ومعقدة، إلا أن ذلك لا يعني أن الاحتياج غير موجود، ولكن الربيع يبدو أنه اختطف من قوى ترغب في السيطرة والتسلط بأساليب مختلفة وجديدة، ولكنها ذات نفس الأثر الصعب والمدمر والمؤذي في آن واحد.

إيران تأتي للعالم بوجه جديد، تحت شعار الإصلاح والبعد عن المحافظة والتشدد، وهي فكرة جرى تسويقها جيدا لإقناع الناس بأن روحاني آتٍ من نفس الرحم التي أنجبت المتشدد والمحافظ أحمدي نجاد، فكيف يكون واحد إصلاحيا والآخر متشددا؟ إنها مهارات «البازار السياسي» لإيران، عرفت أن «كارت» التشدد والمحافظة والتطرف انتهى وقته واحترق وصار الآن أوان الكارت الإصلاحي، لأن «سوقه» رائجة وزبونه جاهز. معايير الإصلاح في إيران ستكون تخفيض العقوبات الاقتصادية، القائمة عليها بسبب ملفها النووي وقرارات المجتمع الدولي ضدها، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي في إيران، والمجيء بفرص استثمارية تأتي بوظائف وفرص عمل للإيرانيين الذين يعانون البطالة بأعداد كبيرة جدا. ولكن، هناك ملفات في غاية الأهمية لم يجرِ التطرق إليها من قبل روحاني؛ وهي قضية الثورة السورية ودعم بلاده لطاغية يقتل شعبه لمدة فاقت السنتين الآن ويمده بعون ميليشيات إرهابية مثل حزب الله وغيره. وكذلك ملف تدخل إيران في شؤون اليمن والبحرين والكويت والعراق والإمارات وفلسطين ومصر وغيرها.. كلها ملفات «ملغمة» وقابلة للانفجار، تضيف توترا على منطقة شديدة الحساسية وجاهزة للغليان من الأساس.

روحاني محمل بطموحات هائلة، وأعتقد أنه يظلم بذلك؛ لأن - واقعيا - مساحة الحراك المسموح له بها مقيدة جدا بأمر المرشد، وشاهدنا من قبل خيبة الأمل التي حصلت مع «المصلح» خاتمي وكيف أنه لم يسمح له بإصلاحات جديدة في بلاده.