المزاج الإيراني

TT

قد يكون انتخاب حسن روحاني المحافظ المعتدل أو البراغماتي الذي توحدت حوله قوى الإصلاحيين في انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة، مفاجأة كما تحدثت تقارير غربية كثيرة تحاول تحليل ما إذا سيكون هناك تغير في إيران، لكن في الحقيقة كانت هناك مقدمات تقود إلى تلك النتيجة.

ولعل في مظاهر الابتهاج والفرح العارم التي شهدتها مدن إيران خاصة من أفراد الطبقة الوسطى وبينها العاصمة طهران بعد إعلان النتيجة، ونسبة الإقبال العالية من الناخبين تقدم بعض التفسيرات أهمها أن هناك مزاجا متغيرا في إيران يختلف عن آخر انتخابات جرت في 2009 التي شهدت بعدها موجة احتجاجات ضخمة اقتربت من حد الانتفاضة، وجرى التعامل معها بعنف شديد، ولا يزال بعض رموزها مثل موسوي وكروبي قيد الإقامة الجبرية حتى الآن.

المزاج في هذه الانتخابات يبدو أنه براغماتي أو عملي لدى الناخب الإيراني؛ فروحاني القادم من قلب مؤسسة الحكم الإيرانية ليس إصلاحيا بمعنى الكلمة، وقد يكون أقرب إلى فريق المحافظين، لكن مواقفه السياسية وتصريحاته قبل الانتخاب وبعده تعكس واقعية ورغبة في مد الجسور مع العالم الخارجي، وتخفيف قبضة السلطة على الداخل، وقد اتخذ الناخب الإيراني الراغب في السير إلى الأمام، ولا يوجد أمامه بديل آخر، قراره من خلال نسبة التصويت المرتفعة بالاقتراع لصالح المرشح الأكثر انفتاحا من قلب المؤسسة والذي يستطيع أن يتعامل مع مفاتيح السلطة والقرار فيها، فهو لديه علاقات قوية مع صاحب القرار الأول المرشد الأعلى علي خامنئي. كما أنه كان في وقت سابق رئيسا لمجلس الأمن القومي، كما كان في إحدى الفترات مفاوضا نوويا.

وقد عكست كل التقارير الواردة من إيران أن الاهتمام الأول للناخب الإيراني هو الوضع الاقتصادي الذي شهد تدهورا نتيجة العقوبات الاقتصادية المتزايدة بسبب الملف النووي وعدم حدوث تقدم في المفاوضات مع القوى الكبرى بشأنه، فضلا عن شعور متزايد بالرغبة في فك العزلة التي تواجهها إيران على الصعيد الدولي.

خارجيا ما يهم العالم دوليا وإقليميا بالنسبة إلى سياسة الرئيس الجديد ملفان؛ الأول هو ملف تخصيب اليورانيوم، والشكوك في أنها تسعى إلى إنتاج أسلحة نووية أو على الأقل امتلاك القدرة على ذلك، والثاني السياسات الإيرانية الإقليمية في سوريا ودول أخرى والتي تثير الاضطراب والقلاقل في المنطقة، ولا تساعد على الاستقرار.

مشكلة روحاني أن الوقت قصير، والعالم يريد ردودا سريعة، فبينما هو سيتسلم منصبه في أغسطس (آب)، فإنه لا بد أن يكون هناك بوادر سريعة على إمكانية التحرك إلى الأمام في هذا الملف، وقد صدرت تصريحات كثيرة على أن العام الحالي هو عام الحسم في هذا الملف بما تحمله هذه الكلمة من دلالات، كما أن الملف السوري وصل إلى ذروة ساخنة، ولو انزلقت إيران أكثر فيه فإنها تكون في طريق مواجهة وليس التصالح أو مد الجسور.

المشكلة الأخرى أن القرار النهائي فيما يتعلق بالملفات الحساسة مثل النووي أو التدخلات الإقليمية ليست في يد الرئيس بل المرشد، وحتى الرئيس أحمدي نجاد صرح قبل أيام بأن الملف النووي لم يكن من صلاحياته، فهل يستطيع روحاني أن يُحدث تأثيرا فيه.

لكن فترتي الرئاسة السابقتين للرئيسين رفسنجاني وخاتمي أثبتتا أن الرئيس يمكن أن يكون له بصمته الخاصة على السياسة الخارجية، والداخلية، كما أن فترة حكم أحمدي نجاد أثبتت أن المحافظين والإصلاحيين لم يتمكن أي فريق منهما من فرض أجندته كاملة، فضلا عن الخلاف المستعر بين أحمدي نجاد والبرلمان.

الأسابيع وليس الشهور المقبلة ستظهر ما إذا كان هناك تغير حقيقي في المزاج بين النخبة الحاكمة في إيران يعكس رغبة الشارع في الانفتاح والتخلص من العقوبات الاقتصادية، وما إذا كانت هناك دلالات لشفافية الانتخابات، وعدم ضغط المؤسسة الحاكمة لتوحيد المحافظين وراء مرشح واحد، أم أن كل ذلك سراب؟