سلّم نفسك.. أنت محاصر

TT

حقيقة لم يبقَ مع هذا السيل العرم، بل التسونامي الكاسح، من ثورة الاتصالات، أيّ مكان للخصوصية، أو للهدوء بعيدا عن صخب الحياة.

أنت محاط ومحاصر، من كل مكان، ومن أي ميدان، وفي أي وادٍ سلكت، العمل، البيت، غرفة النوم، غرفة الطعام، شرفة المنزل، الشارع، بيت الراحة، السيارة، الدراجة الهوائية، والنارية أيضا. والآن، إليك هذا الخبر السعيد: تستطيع أن تواصل شرب حليب الاتصالات حتى في الطائرات، الحديثة طبعا، من خلال توفير رضعة «الواي فاي»، لا مفرّ، حاصر حصارك لا مفرّ...

الصغير، الكبير، الأمير، الغفير، الغني، والفقير، الصبي، والصبايا، المريض والطبيب المداوي، الموجع بوجدانه، والمتخم من خوانه، المترهبن للعلم والمعرفة، والمتفرغ للفراغ نفسه... الكل مواطن في دولة الاتصالات العظمى.

أذنك، ملك لهم ولأجهزتهم الذكية، يدك تستطيع أن تشرب بها كوب قهوة، أو تمسك بها قطعة خبز، وتمضغ، في نفس الوقت الذي تمضغ أذنك طحين دقيق الكلام، من خلال سماعة رشيقة ناعمة.. وقوية، كالأفعى.

أناملك، لهم وحدهم، تنقر بها الأزرار، وإن كنت أكثر رقة، تمسد بها شاشة ملساء، دون نقر، لمس فقط لو سمحت، فنحن في عصر الاتصالات الحساسة، والأجهزة الذكية، والذكي يفهم بالإشارة والهمس واللمس فقط، لا داعي للخشونة.

طبعا فمك ولسانك وشفتاك، تقوم بمهمة التلقي والإرسال، باستمرار، فالعالم من حولنا يجري، والعلم نحونا يسري في الهواء والماء، فلا تخلف الميعاد، وتبقى مع قعدة الخوالف المتخلفين عن الركب، وتتلقى نظرات العار، ورمقات الاستهتار، اِلحق بفلك التقنية حتى لا تغرق مع الغارقين.

ماذا بقي؟

بقيت عيناك، نور حياتك، وبقيت مساحات بريئة وساذجة منك، مثل معصمك أو ظاهر كفك.

لا تقلق، أهل الرأي والبصيرة من سدنة الاتصالات، وحراس الأجهزة الذكية، فكروا وقدروا، ووجدوا أنه من العبث والإسراف ترك عينيك تتأمل وتبصر وتقوم بوظيفتها الأصلية في الحياة، هذه وظيفة قديمة، نحن في عصر «غوغل» و«آبل» و«سامسونغ».

وجدوا لك حلا، نظارات ذكية على عينيك، تربطك بالعالم الذكي، ما لك وللأغبياء! اتركهم، وغادر ديارهم، أقم فقط في أرض الميعاد التكنولوجي. أما معصمك الخالي من كل شيء، أعني الذكور طبعا، فلن يستمر خاليا بعد اليوم. وجدوا لك سوارا ذكيا يعمل من خلال آلية تنبيه حسية وبصرية تنقل لمن يرتديه تنبيهات من جهاز الهاتف الذكي الخاص به، بما فيها تنبيهات البريد الإلكتروني والمكالمات والرسائل النصية وحالة البطارية وتنبيهات الشبكات الاجتماعية ومكالمات «سكايب» وغيرها.

مؤكد سيراعون اللمسة الأنثوية في تصميم السوار، باللون والشكل.

ماذا بقي أيضا غير هذا؟

بقي عالم الأحلام وأرض النوم.. هل يدعون هذه الغنائم بلا استثمار؟

هل نحن على عتبة «الأحلام الذكية»؟

سلّم نفسك.. أنت محاصر بذكاء..