ما نوع التهديد الذي تواجهه تركيا؟

TT

لقد كانت تركيا بمثابة البؤرة الساخنة خلال الأسبوعين الماضيين في وسائل الإعلام الدولية، رغم أخبار المذابح المستمرة في سوريا والانتخابات الإيرانية والتوترات في العراق. تجري تغطية الأزمة في تركيا، التي تتنامى قوة في أخطر جزء من العالم، بشكل حي لحظة بلحظة من قبل وسائل الإعلام العالمية.

كان البرنامج في تركيا هذا الأسبوع ساخنا بالطبع. لقد قدمت وسائل الإعلام العالمية تغطية حية على مدى 17 ساعة للعملية التي قامت بها الشرطة في ميدان تقسيم، متبوعة بمواجهات وجها لوجه بين ممثلي متنزه جيزي ورئيس الوزراء وأعضاء من الحكومة. وبعدها، جاء قرار البرلمان الأوروبي بشأن تركيا ورد الفعل المحموم من جانب رئيس الوزراء الذي سوف يخلده التاريخ!

والآن، الانتفاضة الجديدة في شوارع تركيا. كيف يجب أن نقيم كل هذا؟ دعونا نلقي نظرة.

منذ فترة طويلة، ظللت أقول إن ثمة تهديدا خطيرا بانتظار تركيا: الشيوعية، شيوعية دموية ووحشية تسعى لتقسيم الدولة. لقد أظهر ميدان تقسيم، الذي شاهده العالم بأسره من خلال البث الحي في يوم 11 يونيو (حزيران)، حجم التهديد. المنظمات غير القانونية التي أعلنت ميدان تقسيم منطقة محررة، والتي منعت التجار في المنطقة من مباشرة أي عمل وحظرت على السكان المحليين مغادرة منازلهم، ومنعت دخول المنطقة من خلال وضع متاريس، والتي أحرقت ونهبت السيارات وجعلتها جزءا من المتاريس وغطت بالكامل نصب الجمهورية ومركز «أتاتورك» الثقافي اللذين يعدّان علامتين بارزتين بالميدان بشعارات ولافتات شيوعية... أصدر حاكم إسطنبول سلسلة من التصريحات عبر برنامج «تويتر» في الصباح الباكر. «ينبغي أن يبقى المتظاهرون السلميون في متنزه جيزي في أماكنهم وسوف يحميهم رجال الشرطة. هدفنا هو إزالة ملصقات الجماعات الشيوعية من ميدان تقسيم..».

كانت هذه عملية مطلوبة وضرورية جدا. تم تحطيم المتاريس وإزالة اللافتات والاستعاضة عنها بأعلام تركية. تراجعت الجماعات، وظل رجال الشرطة يتولون مهمة الحراسة هناك على مدار الليلتين التاليتين. لقد كانت تلك الجماعات تقوم ببروفة على الأراضي التركية. ولكن إلى أي مدى كانت تركيا على أهبة الاستعداد لانتفاضة دامية؟

أعلن مشجعو فرق كرة القدم الثلاثة البارزة الذين ربما يكونون أكبر مدعمين للمظاهرات عن انسحابهم من المظاهرات ونشروا تصريحا مفاده أنهم لن يكونوا أداة للعنف الشيوعي.

جاءت الشكاوى من المتظاهرين السلميين الذين بدأوا المظاهرات من أجل مطالب بيئية. ومنها:

«هناك يساريون في كل مكان. الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الحرية والتضامن والحزب الشيوعي التركي وحزب المساواة والديمقراطية وحزب العمال الاشتراكي الثوري... وأحزاب كثيرة أخرى. لم نأت لأجل السياسة. هل أنا آت إلى هنا لتلقي أوراقكم أو لسماع دعايتكم؟».

قال المتظاهر: «نحن عاجزون عن إزالة» الشعارات الشيوعية والصور الفوتوغرافية لزعيم حزب العمال الكردستاني، أوجلان: «نظرا لأنهم يهاجموننا».

وقال المتظاهر إنه رغم أنه لم تكن هناك أي عمليات لأفراد الشرطة لما يقرب من أسبوع في متنزه جيزي، بسبب قتال الجماعات الشيوعية، كانت مراكز الإسعافات الأولية ممتلئة عن آخرها. بعدها، ذهب إلى حد قول: «كان هناك أناس من كل قطاعات المجتمع في المتنزه. لكن لم يعد الوضع كذلك الآن. الآن، هناك شيوعيون فقط».

لم يكن من يحطمون السيارات في ميدان تقسيم الذين ظهروا في البث التلفزيوني الحي هم الشباب الذين يمارسون اليوغا ويوجدون هناك بهدف حماية البيئة.

لم يكن من داهموا المقاهي لعدم مشاركتها في المظاهرات، ممن مارسوا ضغوطا على الناس وسحبوا امرأة ترتدي الحجاب وطفلها البالغ من العمر ستة أشهر على الأرض، هم المتظاهرون الشباب السلميون المفعمون بحب الديمقراطية والطبيعة ممن كانوا يتظاهرون لأجل مستقبل تركيا. كانت تركيا تواجه عنفا شيوعيا. تحولت حركة ديمقراطية بدأت بشكل جيد إلى محاولة لتنظيم انتفاضة شيوعية. هؤلاء الأفراد القادمون من الخارج الذين شجعوا على العنف باسم «دعم التظاهر» لم يكونوا على علم بماهية الخطأ الفادح الذي ربما يقترفونه. هؤلاء الذين وصفوا قائدا أثني عليه لاقتراحه النهج العلماني على جماعة الإخوان المسلمين في مصر بأنه «ديكتاتور شرق أوسطي إسلامي» على مدى 10 أيام لم يدركوا ماهية ما كانوا يفعلونه.

ورغم ذلك، فإن البعض كان على علم تام. كانت الطريقة التي أصدر بها البرلمان الأوروبي قرارا أحادي الجانب بوصف عملية بدا واضحا أنها موجهة ضد الجماعات المثيرة للقلاقل بأنها ضد المتظاهرين غريبة ومثار شك. يبدو أن البرلمان الأوروبي قد نسي حقيقة غاية في الأهمية: تركيا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي! فكيف، وتحت أي مسمى، يستطيع البرلمان الأوروبي إصدار قرار بصدد تركيا؟ فيما كنت أنتقد دائما لغة رئيس الوزراء الغليظة الفظة، إلا أنني أيدته في رد فعله تجاه البرلمان الأوروبي.

يتعين أن أؤكد على دعمي الكامل للمظاهرات من أجل البيئة في بلدي وعن دفاع شبابنا عن حقوقه ومطالبه بإرساء مزيد من الديمقراطية. في الوقت نفسه، أرغب من كل قلبي في أن يستخدم رئيس الوزراء لغة ودودة شاملة وأن يتوقف عن الظهور بمظهر قمعي عدواني. لكن في الوقت نفسه، أعتقد أيضا أن الاضطراب في الدولة يخدم فقط تلك الدوائر التي ترغب في الاستفادة منه. لا أرغب في أن يتحول هذا إلى شيء لن يلحق الضرر فقط بتركيا، بل بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي بأسره، الأمر الذي سوف يؤجج نشاط مثيري القلاقل، ولهذا، فإن تركيا بحاجة للهدوء، وستخيب آمال هؤلاء الذين يصبون إلى العنف.