مذبحة «فكرية» في الأقصر

TT

الأقصر وأسوان مدينتان ساحرتان في صعيد مصر، بل هما أيقونتا صعيد مصر «الجواني» كما يطلق عليه المصريون. والأقصر تحديدا مدينة صغيرة حالمة بها عدد بسيط من سكان مصر، خليط محترم ومتوازن من أبناء مصر بمختلف خلفياتهم، كانت في تاريخها تعتمد على الزراعة ثم تحولت إلى مركز للاستقطاب السياحي، والأقصر تعتبر قصة نجاح لأثر صناعة السياحة على مدينة وكيف أن السياحة تحولت إلى مصدر دخل أساسي تقريبا لسكانها وتجارها.

والأقصر أكثر مدينة تتأثر مع الانتعاش السياحي ويلحظ عليها فورا آثار ذلك بالتوظيف المستمر أو المؤقت لشبابها ورجالها، ويلحظ آثار الرخاء على أهل المدينة بشكل واضح، والعكس طبعا صحيح، فمع كل انتكاسة في السياحة بمصر سواء بسبب مذبحة الأقصر أو الثورة أو الاضطرابات، تصاب المدينة بانتكاسة اقتصادية حادة جدا ويصاب اقتصادها بالشلل التام، حيث إن السياحة هي الدخل الأول وعصب الإنتاج فيها. والأمم المتحدة تدرك ذلك الأمر وتدرك «قيمة» الأقصر في منظومة التراث العالمي وتعرف تماما أهميتها، لأنها بحسب اليونيسكو تحتوي وحدها على نسبة عالية من آثار العالم وحضاراته الموثقة.

ولم تحظ الأقصر بمكانتها المستحقة كمحافظة حقيقية مثلها مثل محافظات أخرى إلا في عام 2009، وذلك بعد سلسلة من المحاولات لإقناع النظام وقتها بأن الأقصر تستحق أن تكون محافظة ولها كيانها المستقل بدلا من أن تكون إدارة صغيرة وهامشية، وجيء عليها بمحافظين مهمين منهم من كان متألقا مثل الدكتور سمير فرج الذي شهدت المدينة في وقته حراكا مميزا نال رضا السياح والمواطنين على حد سواء، ثم عزت سعد لفترة حتى كانت الطامة الكبرى التي حصلت باختيار محافظ جديد لها أخيرا في شخص عادل الخياط، وهو الرجل الذي كان أميرا (زعيما قياديا) في الجماعة الإسلامية السلفية الجهادية، المعروف تورطها في مذبحة الأقصر المريعة التي أودت بحياة العشرات من السياح جلهم من السويسريين في مأساة كادت تقضي على السياحة في مصر تماما وأثرت عليها سنوات طويلة جدا، وباتت تعرف بمذبحة الأقصر وأطاحت بوزير الداخلية وقتها حسن الألفي وقيادات كبرى.

والرجل يأتي من فكر يؤمن بحرمانية السياحة وضرورة هدم التماثيل لأنها أوثان أو تغطيتها. وما إن أعلن عن هذا التعيين العجيب حتى ألغت شركة «توماس كوك» السياحية العملاقة برنامجها لمصر وألغت كافة الحجوزات، واعتبرت كذلك سويسرا أن القرار فيه إهانة لها وأبدت استياءها واستغرابها. أما عن سكان الأقصر والأهالي العاملين بالسياحة فيها، فحدث ولا حرج.. استشعر الأهالي البسطاء بفطرتهم أن هذا القرار هو بمثابة رصاصة الرحمة على عملهم في السياحة والقضاء على فرحتهم بالعمل اللائق، وبدأوا في الاعتصام محتجين على هذا القرار وتفاعلت وسائل الإعلام وقادة صناعة السياحة في البلاد مع الخبر، وكان الأكثر صدمة هو وزير السياحة الذي كان يجوب الدنيا لإقناع السياح أن البلاد بخير وأنها مستعدة لاستقبال السياح ليصدم بهذا القرار ويقدم استقالته، لأنه بحسب المصادر المحيطة به لن يكون قادرا على «شرح» هذا التعيين وأسبابه للعالم ولا الدفاع عن القرار، لأنه بحسب رأيه مسألة غير قابلة للإقناع.

كانت الأهزوجة المصرية المعروفة تقول: «الاقصر بلدنا بلد سواح فيها الأجانب تتفسح، وكل يوم ساعة المرواح بتبقى مش عايزة تروح»، الآن نجح قرار «غريب» و«عجيب» في إزالة الفرحة من وجوه أهالي الأقصر وتأكيد أن هناك شيئا قبيحا يحاك لمصر، وأن هناك من يمهد لدخول الوجه الظلامي على حياة بسيطة وسمحة ووسطية. مسألة حزينة جدا ويبدو أن التسامح والوسطية سينضمان هما أيضا لآثار الأقصر.

مع تعيين محافظ الأقصر الجديد يصعب على المراقب ألا يتوقف عند فكره وانتمائه.