إحراق البرازيل بتذكرة باص

TT

اشتعلت، في وقت واحد تقريبا، مظاهرات المدن في تركيا وفي البرازيل. الاثنتان، كانتا أنجح تجربتين اقتصاديتين في العالم الثالث خلال العقد الماضي. في تركيا تضاعف دخل الفرد في مرحلة أردوغان ثلاثة أضعاف. وفي البرازيل تحولت الدولة من مؤسسة متهالكة إلى الصف الأول بين الدول الصناعية والزراعية على السواء.

لكن المتظاهرين ضد أردوغان خرجوا يحطمون المدن بسبب حديقة وبضع أشجار، لا يتطلعون خلفهم إلى ما تحقق بعد تهاوٍ طويل. وفي البرازيل خرج 250 ألف شخص يهتفون ضد الدولة لأنها زادت تسعة بنسات على أجور النقل العام! 9 بنسات؟ هل تستحق كل هذا الغضب. يجب أن نحسب نسبة التسعة بنسات في دخل الفقير البرازيلي. إذا كان يستخدم النقل العام مرتين فقط في اليوم، سوف يشكل له ذلك عبئا في نهاية العام.

مررنا في العالم العربي بتجارب مماثلة في تونس أيام بورقيبة وفي مصر أيام السادات عندما فرض البنك الدولي على الاثنين رفع الدعم. كادت الحرائق أن تسقطهما. سوف أقول شيئا يثير غرابة الجميع أن يصدر عني، أنا الذي طالما سخرت من «محاكمات المهداوي» وخطب الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم.

هذا الرجل الذي كان والده نجارا تصرف في توازن لم تعرفه أي «ثورة» عربية أخرى، ففيما ألغت 23 يوليو جميع الأغنياء وأممت المصانع التي توقفت أفعالها، ووضعت ما سمي بالحراسة على كل شيء، ولم يؤد كل ذلك إلى حل مشكلة الفقر ولا الزراعة. ماذا فعل قاسم؟ بنى آلاف البيوت للعمال ووزع مئات آلاف الدونمات على الفلاحين، لكنه في المقابل أعلن أنه سوف يعمل بالتقاليد المطبَّقة في قريته: الغني يؤازر الفقير والاثنان يعملان معا. وعمد إلى تشجيع الصناعة والاستثمار وخفض الضرائب على أصحاب المشاريع.

أخذنا عن قاسم انطباعا يشكك في طاقاته العقلية وفي قدراته وفي طباعه. أعود الآن لقراءة تلك المرحلة بأقلام مستقلة فأرى أنه انطباع خاطئ. وأسائل نفسي: هل هي مسؤولية الإعلام الناصري الذي كان مسيطرا آنذاك؟ هل هو لمنع قاسم عن مجاراة مصر، أم أن هناك الكثير من الصحة فيما وصل إلينا؟ لا أدري. ربما ظلم بثورته الدموية وظُلم بمقتله الدموي ولم يعدل حياله أحمد سعيد.