هونغ كونغ.. مكان غريب للبحث عن الحرية

TT

شوهد إدوارد سنودن، عميل الحكومة الأميركية البالغ من العمر 29 عاما الذي كشف أسرار جهود جمع البيانات واسعة النطاق التي تنتهجها الحكومة الأميركية، آخر مرة يدفع حساب فندق وينهي إجراءات مغادرته هنا يوم الاثنين. في اليوم السابق، نشر مقطع فيديو يدافع فيه عن قراره بتسريب أسرار حساسة ويوضح فيه أنه قد بحث عن ملاذ في هونغ كونغ لأنها تملك «تقليد حرية تعبير راسخ» و«تاريخ طويل من التظاهر في الشوارع».

أدهشت هذه الأخبار الكثير من السكان المحليين، لا سيما هؤلاء المدافعين بحقوق الإنسان. منذ عام 1997، عندما أعادت الحكومة البريطانية هونغ كونغ إلى الصين بعد تلقي تطمينات مفادها أن تقليدي سيادة القانون والحرية الفردية بهذه المستعمرة السابقة سوف يحترمان، أصبح مشهد حقوق الإنسان السياسي والقانوني هنا أقل تحفيزا على حماية الحريات المدنية. لقد دخل سنودن – إن كان ما زال في المدينة – عتبة مستقبل مجهول، والذي بات فيه مفهوم «أمة واحدة ونظامين» الذي وعدتنا به بكين ذكرى طواها النسيان.

وسواء أكان الأمر سذاجة شباب أم مجرد جهل، فإن رؤية سنودن الإيجابية لهونغ كونغ لم تعد تتماشى مع الحقيقة. فبعد فترة قصيرة من وصوله، وضعت منظمة «فريدوم هاوس» الدولية هونغ كونغ في المرتبة الحادية والسبعين بين دول العالم في حماية الحقوق السياسية والحريات المدنية. قد لا يكون اختيار سنودن الأولي لهونغ كونغ ملاذا منطقيا بالمرة.

تظل هونغ كونغ محورا للإعلام العالمي، لعوامل من بينها متاخمتها للانتعاش الاقتصادي في جنوب الصين وسهولة دخول كثير من المدن الآسيوية الأخرى. قد تعقد الدعاية الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل إدانة سنودن وترحيله.

إلا أن التغطية المحلية لقضية سنودن، التي قد تباينت على نطاق واسع ما بين مرتبكة وغير متعاطفة، تساعد في إبراز تقلص حرية الصحافة منذ عام 1997.

لو كان سنودن ما زال هنا، فإنه يحتاج لإدراك أنه الآن في بقعة خاصة من أرض صينية «مستقلة ذاتيا» – مرحلة توقف قانوني لم يعتقل فيها ضباط الشرطة منذ فترة طويلة أي صحافي طرح تساؤلات على قادة صينيين زائرين فيما يتعلق بمذبحة ساحة تيانانمين في 4 يونيو (حزيران) 1989. بحيث يمنعونه فعليا من تغطية الخبر.

في عام 1984. عندما تفاوض كل من مارغريت ثاتشر ودينغ زياو بينغ على الانتقال السلمي التدريجي لهونغ كونغ من بريطانيا إلى الصين، وعدت حكومة بكين بدرجة عالية من الاستقلال السياسي والحفاظ على سيادة القانون.

تتمتع هونغ كونغ بالاستقلالية في سياستها الخاصة بالهجرة، غير أن الشؤون الخارجية والأمن القومي مسؤوليتان تضطلع بهما الحكومة المركزية في بكين. ورغم أن الصين تعد طرفا موقعا على اتفاقية اللاجئين لعام 1951. فإن إجراءاتها الاحترازية لم تمتد مطلقا إلى هونغ كونغ. وتربط الولايات المتحدة وهونغ كونغ اتفاقية ثنائية لتسليم المجرمين، ويتم تناقل أخبار مفادها أن ممثلي الادعاء العام الفيدراليين الأميركيين يعدون قائمة اتهامات ضد سنودن.

وفي حالة مواجهة سنودن اعتقالا فوريا، قد يتقدم بالتماس لحكومة هونغ كونغ ضد أي أوامر بنفيه إلى مكان يحتمل أن يلقى فيه معاملة وحشية أو لا إنسانية أو مهينة.

على النقيض من التقارير الإعلامية، تطرح هذه الإجراءات الوقائية احتمال، مع كونه ضئيلا، أن تقوم السلطة القضائية المحلية بحمايته. وربما يتوجب على الولايات المتحدة أيضا أن تعد بعدم فرض عقوبة إعدام على سنودن. في نهاية الأمر، قد يتعين على قضاتنا التحقق من أي إجراءات نقل ستتوافق مع الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية. لسلطتنا القضائية، رغم أهميتها، حدود. تعتبر محكمة الاستئناف النهائي في هونغ كونغ أعلى محكمة لدينا. لكن في حالة إدراك أن قضية منظورة أمام المحكمة تتعلق بالقانون الأساسي بإمكان المحكمة أن تطلب من اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، إعادة تفسير القانون الأساسي. ربما تقدم الصين طلب تفسير خاص في هذه الحالة، ربما يضر بصورة بكين، إذ قد ينظر إليه بوصفه يحقق مطالب الأميركيين، لا سيما بعد فترة قصيرة من انعقاد القمة بين الرئيس الأميركي أوباما ورئيس الصين شي جينبينغ.

ربما يكون سنودن قد غادر هونغ كونغ، أو في طريقه لمغادرتها. ومع ذلك، فلأنه شارك، ولو لفترة وجيزة، أهالي كونغ كونغ في الشكوك التي عانوا منها منذ عام 1997. فإن قضيته ربما تجذب قدرا أكبر من الاهتمام العالمي لوضع الحريات الفردية الخطير هنا.

* مدير مجموعة مراقبة حقوق الإنسان في هونغ كونغ

* خدمة «واشنطن بوست»