سنة تقاتل أخرى في سوريا

TT

قمة الكبار السبعة خيبت الآمال، ولا سيما آمال السوريين الذين باتوا يتكلون على المجتمع الدولي لإنقاذهم من جحيم الحرب الأهلية.. وحده الرئيس الروسي خرج من الاجتماع متباهيا بأن بلاده سوف تواصل مد النظام السوري بالسلاح ومحذرا من فرض حصار جوي على الأجواء السورية ومتهما المعارضة السورية «بأكل لحوم البشر» (متجاهلا قتل النظام مائة ألف من المواطنين وتشريده الملايين من منازلهم وتدمير قرى ومدن بكاملها). أما الرئيس الأميركي فلقد تميز موقفه من الثورة الشعبية السورية بالفتور والتردد رغم تلميحه بمد المعارضين بالسلاح «من طرف شفتيه» وبشروط.. ولا عجب، فالرئيس أوباما اتخذ منذ أشهر قراراته بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وقضية السلام، وهي تتلخص بعدم خوض حرب جديدة في المنطقة وبسحب القوات الأميركية من أفغانستان ومقاومة الإرهاب بوليسيا في الداخل و«جويا» في الخارج. أما بالنسبة للقضية السورية فإنه يشاطر بوتين تخوفه من الإسلاميين الجهاديين المتطرفين ووقوع سوريا في قبضتهم بعد الأسد، ويفضل حلا سياسيا لوقف التقاتل في سوريا.

الحدث الثاني كان فوز روحاني «الإصلاحي المعتدل» في الانتخابات الرئاسية الإيرانية وإعلانه «مد يده» للمجتمع الدولي ودول المنطقة. وهو إعلان رحب به الجميع ولم تتحفظ عليه سوى إسرائيل عبر تصريح بعض المسؤولين فيها بأن سياسة إيران الإقليمية ومشروعها النووي لن يتوقفا وأن الكلمة الأخيرة هي لمرشد الثورة وأن انفتاح الرئيس روحاني - كانفتاح الرئيس خاتمي سابقا - سيبقى مجرد أمنيات. أولم يؤكد الرئيس الإيراني الجديد على مواصلة إيران دعمها لنظام الأسد حين صرح - بكل براءة - بأن الشعب السوري هو الذي يقرر مصير حكمه.. «في انتخابات عام 2014»، أي بعد سنة ونيف؟ أي في انتخابات يشرف عليها الأسد وأعوانه! ترى هل سيبقى في سوريا ناخبون إذا استمرت الحرب الأهلية سنة أخرى واستخدمت فيها الأسلحة الصاروخية الروسية و«الأسلحة الخفيفة الغربية»؟

إن روسيا وإيران لن تتخليا عن الورقة السورية أي عن الرئيس الأسد وفريقه الحزبي الطائفي. أما الدول الغربية والدول العربية عموما فإنها تكتفي بتقديم مساعدات قليلة ونصائح كثيرة.

أحداث أخرى زادت أوضاع الشرق الأوسط تعقيدا، والحرب الأهلية السورية دموية وخطورة على المنطقة ومنها ما يحدث في تركيا من انتفاض شعبي يشغل الحكومة التركية ويصرفها عن مساعدة المعارضة السورية. ولا يستبعد أن يكون هناك «أياد خارجية» من وراء تحريكها. ومنها فتح ممثلية لحركة طالبان في الدوحة يقال: إنها ستشهد محادثات أميركية - طالبانية ممهدة للانسحاب الأميركي من أفغانستان. ومنها امتداد شرارات الحرب الأهلية في سوريا إلى لبنان واصطباغها بلون شيعي - سني، قد يعيد لبنان إلى حرب أهلية جديدة. ومنها التوتر السياسي - الطائفي في العراق والتفجيرات اليومية التي لا تتوقف، بالإضافة إلى علامات الاستفهام المرتفعة فوق موقف النظام العراقي الحقيقي مما يحدث في سوريا؟

وإسرائيل في كل ذلك؟ كان لافتا تصريح بوتين بأن «بقاء نظام الأسد هو لصالح إسرائيل». لم يكتشف بوتين وحده هذه الحقيقة ولكن قصده من التذكير بهذه «المصلحة الموضوعية» بين إسرائيل والنظام السوري، إنما هي محاولة لضرب الحلف الأميركي - الإسرائيلي وتشجيع إسرائيل على الضغط على واشنطن لثنيها عن مساعدة المعارضة السورية. فإسرائيل في النتيجة يهمها أن تستمر الحرب الأهلية في سوريا أطول مدة ممكنة بل أن تنتقل شراراتها إلى لبنان والأردن والعراق، لكي ترتاح وتمضي في تغطية كل الضفة الغربية بالمستعمرات.

لقد تباهى النظام السوري - ومعه حزب الله - بالانتصار العسكري في القصير وقرر أن يتبعه بانتصار عسكري في حلب، مؤملا في أن تعزز هذه «الانتصارات» موقفه في مؤتمر جنيف، هذا إذا قبلت المعارضة بالمشاركة فيه. ولكن ثمة مؤشرات تدل على أن المعارك القادمة لن تحسم لصالح النظام. وحتى لو حقق مكاسب على الأرض، فإن موقف المعارضة لن يتغير: لا محادثات مع بقاء بشار الأسد رئيسا. وتلك هي العقدة الرئيسة ولا مجال لحلها إلا بقوة السلاح أو بتخلي روسيا وإيران عن دعمهما للنظام، وليس في الأجواء أي مؤشر عليه.

ثمة أمل ضعيف في حل سياسي تتردد أصداؤه في واشنطن وهو يقضي باتفاق واشنطن وموسكو على صفقة شاملة تبدأ «بوقف القتال وإرسال قوات للأمم المتحدة للمحافظة عليه فخروج المقاتلين غير السوريين من المعركة ونزع السلاح وتحييد الجيش السوري وتأمين رحيل سلمي للرئيس الأسد والحلقة القريبة منه وقيام حكومة انتقالية تشرف على تنفيذ هذا الاتفاق وترسم معالم الدولة السورية القادمة».. ولكن إذا كان هذا الحل منطقيا ومغريا ومناسبا لواشنطن وموسكو فكيف ومن يقنع الطرفين المتقاتلين في سوريا والدول الإقليمية التي تدعمهما به؟

القتال أو الثورة أو الحرب الأهلية في سوريا - لسوء حظ الشعب السوري - مستمرة سنة أخرى على الأقل. ومضاعفاتها في المنطقة لن تتوقف، وأخطرها بعث النزاع المذهبي - السياسي بين السُنة والشيعة الذي قد يؤدي إلى تفكيك أكثر من دولة في المنطقة، وإلى تحول الأمة العربية إلى «الرجل المريض» في القرن الحادي والعشرين.