مهنة التطفل

TT

مهنة واحدة نتفوق فيها على كل الغربيين، بل ولنا براءة اختراع فيها وشهادة احتكار أبدية. ألا وهي مهنة التطفل والطفولية. لا يستطيع الغربيون مزاحمتنا فيها لأنهم لا يسمحون لطفيلي أن يتطفل على ولائمهم. لا دخول من دون بطاقة دعوة وإثبات هوية. ولا شك أن الجوع والفقر المستديم الذي يصاحب مجتمعنا قد تفتق عن هذه المهنة. وهي مهنة عريقة ولكننا أصبحنا نتستر عليها وننكرها في حين كان أجدادنا يحتضنونها ويمارسونها بكل صراحة وحرية. خذوا ما قاله الشاعر عثمان بن دراج:

لذة التطفل دومي

وأقيمي لا تريمي

أنت تشفين غليلي

وتسلين همومي

فمن هو الطفيلي؟ يتعرض لتحديد شخصيته صاحب زهرة الآداب فيعطي هذا الوصف البليغ والظريف لها:

«شيطان معدته وسلطانها ظلوم، هو آكل من النار، وأشرب من الرمل. لو أكل الكفيل ما كفاه، ولو شرب النيل ما رواه. يجوب البلاد حتى يقع على جفنة جواد. يرى ركوب البريد في حضور الثريد. أصابعه ألزم للشواء من سفود الشوّاء. وأنامله كالشبكة في صيد السمكة. هو أجوع من ذئب معتس بين أعاريب، العيون قد تقلبت والأكباد قد تلهبت والأفواه قد تحلبت. امتدت إلى الخوان الأعناق واحتدت نحوه الأحداق وتحببت له الأشداق!».

وقد أورد ابن الجوزي الكثير من طرائفهم وملحهم في كتابه «الأذكياء» بما يدل على الإعجاب بهم:

لا تجزعن من القريب ولا من الرجل البعيد

وادخل كأنك طابخ بيديك مغرفة الحديد

متدليا فوق الطعام تدلي الباز الصيود

لتلف ما فوق الموائد كلها لف الفهود

واطرح حياءك إنما وجه الطفيلي من حديد

لا تلتفت نحو البقول ولا إلى غرف الزبيد

حتى إذا جاء الطعام ضربت فيه كالشديد

وعليك بالفالوذجات فإنها بيت القصيد

هذا إذا حررتهم ودعوتهم هل من مزيد

وتنقلن على الموائد فعل شيطان مريد!