استعادة سوريا لا تستلزم انتفاضة الأمة

TT

سجل بعض علماء الدين المسلمين موقفا إنسانيا خلال مؤتمر «موقف علماء الأمة من القضية السورية» الذي عقد في القاهرة مؤخرا، عبروا فيه عن ضرورة القيام بالجهاد بالنفس والمال والسلاح لنصرة السوريين الذين سحقوا تحت طائرات الروس ونيران حزب الله.

كل ما قيل في المؤتمر يعكس حالة الغضب التي وصل إليها الشارع العربي والإسلامي كرد فعل لمشاهد المجازر التي ترتكب يوميا في حق السوريين، وهو أمر مقبول ومتوقع، لتصحيح مفاهيم البطولات المزيفة التي أقنع فيها حزب الله اللبناني الجمهور العربي بعد حروبه الاستعراضية ضد إسرائيل، إنما لا يمكننا أن نبتعد أكثر من ذلك ونأخذ كلام المؤتمرين المتحمسين بجدية التنفيذ.

المؤتمر مقبول في حيزه الشعبي لتسجيل موقف موحد، خصوصا بعد أن تسربت أخبار عن مواقف بعض المؤتمرين الموالية سرا لنظام الأسد، فكان الاجتماع الذي حشد له الإعلام فرصة لتغيير أو تأكيد وقوفهم في صف الثوار.

أما من حيث الواقع فالسوريون ليسوا بحاجة لحشد أو انتفاضة بشرية أو إرسال ألوية لنصرتهم، هذا ما يكرره الثوار السوريون أنفسهم وهم الأكثر علما بحاجاتهم وواقعهم العسكري. اللواء سليم إدريس رئيس هيئة أركان الجيش الحر لم يفتأ يكرر الكف عن دخول الأجانب إلى سوريا من كلا الطرفين، والطلب بإلحاح من الدول المساندة للثورة بتسليح المعارضة. الثوار ليسوا بحاجة إلى متطوعين من كل حدب وصوب، يجهلون حمل السلاح والمناورات الحربية حتى يسقطوا النظام ويحققوا الانتصار، ولنتذكر أن عماد الثورة السورية هم أفراد الجيش السوري المنشقون، وهم عسكر متدربون يملكون دراية كافية لمواجهة زملائهم السابقين.

كل من دخل أو سيدخل إلى الأراضي السورية بنية مناصرة الجيش الحر هو عبء عليه وليس عونا، كما أن تأخر حسم المعركة من قبل الجيش الحر سببه ضعف التسليح وليس قلة المحاربين. حتى الأموال المزمع توصيلها للثوار من خلال متطوعين متحمسين لا يمكن ضمان طريقها، بل إن العكس هو الصحيح؛ حيث ثبت أن الأموال التي تجمع بوسائل غير رسمية تذهب للمتطرفين أو إلى جيوب منتفعين استغلوا تعاطف البسطاء.

المؤتمر الحقيقي الذي كان سببا لتعجيل وتيرة المعارك على الأرض وحركة تنقلات السياسيين هو مؤتمر جنيف الثاني. تحضيرات المؤتمر اضطرت أمين عام حزب الله إلى الاعتراف صراحة بدخوله طرفا في الحرب، وبادرت بريطانيا بانتزاع موافقة الاتحاد الأوروبي على تسليح المعارضة. المعنيون بالمؤتمر يستجمعون قواهم ليكونوا الحلقة الأقوى في مفاوضات جنيف لفرض شروطهم أو ضمان مكاسبهم أو على الأقل التقليل من خسائرهم.

أكثر من عامين والمعركة في سوريا لم تحسم حتى أصبحت الحرب اليومية الضروس كالمياه الراكدة بسبب توازنها الأكثر من اللازم بين الطرفين، مما جعلها بعيدة عن الحسم. الحجر الكبير الذي حرك هذه المياه هو معركة القصير التي جاءت كإنذار الاستيقاظ من التردد والمماطلة لواشنطن المتأخرة عن نظرائها الغربيين، وإخافتها من عودة الروس للمنطقة بعد أربعة عقود من الهجران، فاندفع أوباما لاستخدام ورقة السلاح الكيميائي المؤجلة للتذرع بدخول الحرب، أما دول الخليج التي تدعم الثورة السورية سياسيا ولوجيستيا فلم تكن لتقبل بتمدد إيراني في المنطقة العربية على ظهر حزب الله.

المعركة السياسية أشد ضراوة، وسوريا اليوم ساحة لإعادة توزيع القوى الإقليمية، لذلك فإن تصريح الأطراف الإقليمية، والدولية متمثلة بأميركا وبريطانيا وفرنسا بمواقفها من تسليح المعارضة السورية وفرض مناطق عازلة تؤمن الثوار، أمر لم يعد من المجدي تأخيره، خصوصا أن الموقف الشعبي من خلال مؤتمر القاهرة وغيره من التجمعات يعكس تأييدا للمواقف الحكومية.

التخوف من أن تكون سوريا تجمعا للجهاديين أو الشباب المغرر بهم هو تخوف في محله. إن استمرت مشاهد التنكيل بالسوريين، وهو ما ينام ويصحو عليه الناس كل يوم، خصوصا بعد أن ارتفعت نبرة الطائفية ونجح بشار الأسد بتصوير الحرب في سوريا على أنها حرب بين السنة والشيعة لإشعال المنطقة كما سبق وهدد، في حين أنها حرب وطنية لاستعادة سوريا من قبضة مافيا الأسد.

[email protected]