سعاد حسني ونهاية أخرى!

TT

على كوبري قصر النيل بالقاهرة ورفضا لحكم الإخوان، ألقى عدد من الشباب نفسه في النيل كتعبير عن الانتحار الرمزي. قبل أيام، مر 12 عاما على انتحار سعاد حسني. نعم، قلت «انتحار» وليس «رحيل»، واقعيا وليس رمزيا، إلا أن بعض الورثة وعددا من عشاقها يؤكدون أنها قتلت. أتذكر أن أول شائعة انطلقت أكدت أنها اختارت يوم ميلاد عبد الحليم حافظ لتنفيذ الانتحار، فلقد تصادف أن حليم كان سيبلغ وقتها لو كان على قيد الحياة 72 عاما، كان خيال الناس حاضرا ليجدد قصة حب لم تكتمل في دنيا الواقع، ماتت بعد أيام تلك الشائعة لتفسح الطريق أمام واحدة أخرى أنكى وهي أن المخابرات المصرية دبرت لمقتلها خوفا من أن تنشر مذكراتها التي سجلتها لإذاعة «بي بي سي» البريطانية، وفيها تروي الكثير عن محاولات تجنيدها لصالح هذا الجهاز الحساس عن طريق أحد الضباط الصغار وقتها والذي كان مكلفا بملف الفنانين ثم أصبح وزيرا للإعلام، وهو صفوت الشريف.

بعض الورثة كلما أغلق هذا الملف فتحوه وطالبوا النائب العام أكثر من مرة باستخراج الجثة وتحليل رفاتها، كان القضاء البريطاني قد أعلن قبل عشر سنوات أنه لا توجد شبهة جنائية وأن سعاد انتحرت، كما أن النائب العام في مصر رفض الاستجابة لطلبات الورثة.

كانت سعاد تتلقى علاجا مكثفا بسبب الاكتئاب الحاد الذي أصابها وصاحب ذلك زيادة في وزنها ترافق مع إصابتها بالعصب السابع الذي يؤدي إلى شلل في عضلات الوجه، وهو ما دفع سعاد للإقامة الجبرية في لندن، فلم تكن تريد أن يراها أحد، وفي لحظة فقدت فيها السيطرة على عقلها قررت الانتحار. إلا أن البعض لا ترضيه هذه النهاية، ولهذا مثلا أثناء نظر قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم قالوا إن ضابط أمن الدولة الذي تمت إدانته هو الذي قتل سعاد، وبعد قليل تذكروا أنها غنت لحسين فهمي «يا واد يا تقيل» وأنه كرمها قبل رحيلها بثلاث سنوات في مهرجان القاهرة، وكان حسين قد تلقى منها شريطا صوتيا تشكر فيه المهرجان، إلا أن الورثة قالوا إن الشريط تضمن استغاثة أوصلتها «للواد التقيل»، وهو ما نفاه فهمي، ثم قالوا إن سعاد حكت لصديقتها نادية لطفي عن ترصد المخابرات لها، وهو ما كذبته أيضا نادية، أما ما يتردد عن اتفاقها لتسجيل مذكراتها لحساب إذاعة «بي بي سي» التي كانت تحوي وقائع تجنيدها، فكل ما حدث هو أن سعاد سجلت بالفعل، ولكن أشعار «رباعيات» لصديقها وأبيها الروحي صلاح جاهين.

من يعرف سعاد، وأنا أتيح لي أن أتعرف إليها، يتأكد تماما أنها ليست أبدا تلك الشخصية التي تدخل في معارك شخصية مع أفراد أو أجهزة، نستطيع قراءة الموقف على النحو التالي، وهو أن البعض قد تعودوا على الأضواء وبعد رحيل سعاد تسارعت وتصارعت الفضائيات على تقديم أقاربها، وكالعادة ومع مرور الزمن يخفت الاهتمام، هناك من يريد أن يظل تحت الأضواء، ولهذا ومع كل ذكرى لرحيل سعاد تقرأ نفس «المانشيت»: الورثة يطالبون بتشريح الجثة. أكثر من محامٍ بحثا عن الشهرة يتصدى لهذه القضايا ثم يخبو الاتهام ليتجدد في الذكرى التالية.

بعض المصريين ألقوا بأنفسهم في النيل رمزيا، ولكن مع الأسف فعلتها سعاد واقعيا وطارت في الهواء من الدور التاسع في لندن قبل 12 عاما، إلا أننا لا نزال نبحث عن نهاية أخرى!