الرشد لا يكون إلا بالسعي والتجارب

TT

إنه لمن دواعي سروري أن أكون بينكم اليوم؛ فمنكم من هو الصديق، ومنكم من هو صديق الصديق.

وكما أرى؛ منكم من هو من هذا المذهب أو ذاك، في الفكر أو في السياسة أو في الدين.

لماذا إذن لا نغتنم الفرصة لنتبين أي مذهب هو المذهب الصحيح، أو أي فرقة هي الفرقة الناجية، أو أي دين هو الدين الحق؟

لن أكون معاتبا إذا قال واحد منكم:

«لا بد أن صاحبنا ليس على ما يرام في يومه هذا»، أو «إنه يبغي الفتنة»، أو «إن الفتنة قد نالت منه».

فمن نحن وكيف لنا، في برهة من الوقت، أن نأتي بما لم تستطعه الأوائل، على مر القرون؟!

وفي المقابل، اسمحوا لي بأن أطرح عليكم هذا السؤال:

هل هذا هو موقفنا الصريح في مواجهة الأحزاب أو الحركات أو التيارات التي تدعي أنها ذات المذهب الصحيح، أو أنها الفرقة الناجية، أو أنها صاحبة الدين الحق؟

وهي لا تدعي ذلك وحسب، بل تباشر التهديد أو القتل أو التعذيب أو التدمير تبعا لذلك اليقين؟

وإذا كان موقفنا هو هذا الموقف؛ فهل نعبر عنه التعبير المناسب أو التعبير المسؤول؟

اسمحوا لي أيضا بأن أجيب عن هذا السؤال الأخير إجابة شخصية:

إذا أعدت النظر اليوم في تجربتي في العمل العام، وهي تجربة تتعدى نصف قرن، أجدني مصيبا هنا أو مخطئا هناك، مستبقا الحوادث في موقف أو مسبوقا منها في مواقف، ومع أنني، في كل حال، كنت في مواجهة عوامل الفتنة وعمالها من لبنانيين وغير لبنانيين، فلست اليوم راضيا كل الرضا عن قيامي بواجبي، كما أحب، في مواجهة هذه الأحزاب أو الحركات أو التيارات.

أتمنى الآن لو أنني كنت أكثر صراحة وتبكيرا في التنبيه إلى الخطر.

أتمنى الآن لو أنني كنت على ثقة أوفر برشد عموم الناس.

قد يقال لي أو قد قيل: لا تراهن على وعي الجمهور، بل عليك أن تنتظر، مراهنا على مرور الوقت، وبمرور الوقت يتوافر الوعي والرشد. وهذا قول خاطئ.

فمرور الوقت وحسب، لا يعني سوى أن غيرك هو الذي يعمل. فالوقت لمن يشاء.

والرشد لا يكون إلا بالسعي والتجارب، لا بمرور الوقت بمشيئة الغير وأنت في مقام الانتظار.

وليس على الناس إلا أن يواجهوا مصيرهم بأنفسهم، وأن يدفعوا الثمن العادل، بل غير العادل.

أتمنى الآن لو أنني كنت أكثر تشددا في عدم التغاضي عن الخطأ في التصرف، بحجة الظرف القاهر أو بحجة الغاية المشروعة، وذلك في أمور إذا خسرها اللبنانيون، أو فاتهم تحصيلها، فلن يعوض من خسارتها أو فوتها أي مكسب.

لكن هذا هو ما كان في الأمس، وإذا شئتم، خلاصة لما أعده اليوم وفي الغد، شرطا لوجود اللبنانيين؛ وجود اللبنانيين الذي تتهدده الأخطار من كل صوب، فهذه هي الخلاصة:

- لا دولة ولا شعب بلا مساواة.

- لا دولة ولا شعب بلا حدود في القانون وفي الأرض.

- لا لبنان أصلا بلا حريات الأفراد قبل أي حق للجماعات.

كلمة أخيرة أقولها للطوائف اللبنانية كلها، بقياداتها السياسية المزعومة القول والطول، أو بقياداتها الدينية الغائبة عن دور هو المبرر في وجودها، في النظام القانوني العام، ولا أستثني أحدا:

للبنان الفضل، وليس لكم أي فضل عليه.

ولو عدتم إلى التاريخ القريب أو البعيد لتبين لكم أن هذه هي الحقيقة، ولو كان العمل بها في كل موقف حرج لكان فيها الخلاص. وها هي الآن ما زالت مبدأ التصرف الصحيح.

لا هذا الاستكبار ولا تلك الاستهانة أو ذاك الوهم.

كأن الأوطان رهن الإشارة أو أملاك الطوائف.

السادة والسيدات

أرجو أن لا أكون قد أفسدت احتفالكم بهذا الكلام الذي يفتقر إلى المجاملة.

وعذري فيما قلت، هو أنكم جديرون بالمصارحة، كما أنكم محكومون بالمسؤولية.

* رئيس مجلس النواب اللبناني الأسبق

* كلمة ألقيت في الجامعة الأميركية ببيروت مؤخرا