تحديات وحلول في ثنائية الطاقة والمياه

TT

تواجه الدول تحديات جمة لتحقيق التوازن في ثنائية الطاقة والمياه. الذي يختلف، هو شكل ذلك التحدي طبقا لظروف كل دولة أو منطقة. كما أن الحديث عن علاقة الطاقة بالمياه يتوجب بالضرورة الحديث عن التغير المناخي، وإنتاج الغذاء، وكذلك العوامل التي تساعد على النمو الاقتصادي والسكاني. ووسط هذا التعقيد في مسألة الطاقة والمياه، لدى دولة الإمارات العربية المتحدة أولويات واضحة لا بد من فهمها وإدارتها بصورة جيدة.

وخير مثال على ذلك مسألة المياه، وكما نعلم أن أبوظبي ودولة الإمارات بصفة عامة من المناطق القاحلة في العالم، والمياه الجوفية هي المصدر الأكبر للمياه العذبة الطبيعية في بلادنا، وهي مصدر غير متجدد، حيث يرجع تاريخ تخزينها إلى آلاف السنين إبان العصر الجليدي الأخير. احتياطيات المياه الجوفية هي مخزوننا من المياه العذبة الذي يضمن أمننا المائي على المدى الطويل، ومع ذلك، نحن نستهلك تلك المياه الجوفية بمعدلات غير مستدامة وبنسب عالية من إجمالي المياه المستهلكة في أبوظبي والتي يستخدم معظمها في أغراض الزراعة.

المصدر الرئيس لمياه الشرب لدينا هي مياه البحر المحلاة، وهي عملية تستهلك كمية كبيرة من الطاقة المولدة من الغاز الطبيعي بشكل رئيس، الذي بدوره يتسبب في انبعاث كميات كبيرة من غازات الدفيئة خلال عملية إنتاج المياه والكهرباء، كما أن الملح الذي يستخرج في عملية التحلية، يعاد ضخه في الخليج مما يزيد من مستويات الملوحة ويؤثر على نوعية المياه. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج المياه عملية مكلفة جدا وتشكل عبئا على الاقتصاد. لذا، فإن حلولنا لنقص المياه الطبيعية تشكل تحديات من جوانب المناخ ونوعية المياه البحرية، فضلا عن كونها تتطلب ميزانية اقتصادية كبيرة.

وهكذا، فإن ثنائية الطاقة والمياه تمس مجتمعنا على جميع المستويات، ومع زيادة عدد سكان دولة الإمارات، وتوسع اقتصادها وتنوعه، ستتعاظم الضغوط على تلك المنظومة التي تجمع الطاقة، والمياه، والغذاء، والمناخ.

لهذا، من أهم الحلول التي تعمل عليها الدولة هو تنويع الطاقة المستخدمة في توليد الكهرباء، وهدفنا أن تكون نسبة 30 في المائة من الطاقة المستخدمة في إنتاج الكهرباء طاقة «قليلة الكربون» بحلول عام 2030، وذلك باستخدام خليط من مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية. ففي شهر مارس (آذار) الماضي، دشن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، محطة «شمس 1» التي تعد أضخم محطة للطاقة الشمسية المركزة (CSP) في العالم اليوم. وسوف تولد المحطة، التي تقع في المنطقة الغربية في أبوظبي وتبلغ سعتها 100 ميغاوات، طاقة نظيفة تكفي لتلبية احتياجات 20 ألف منزل من الكهرباء.

إن تنويع مصادر الطاقة لدينا سوف يمكننا كذلك من فصل نسبة من إنتاج الكهرباء والمياه لنتمكن من إدارة إنتاج المياه بشكل أفضل، للحد من الطلب المتزايد على الطاقة لأغراض التبريد، ولا سيما خلال أشهر الصيف، حيث يزيد الطلب على الطاقة بنسبة 60 في المائة.

وتعمل حكومة أبوظبي مع الجهات المعنية على مجموعة مبادرات للحد من الطلب وتخفيض نسبة الاستهلاك للشخص الواحد. فعلى سبيل المثال، قامت الحكومة بتطوير خطة تبريد شاملة تهدف إلى خفض استهلاك المباني من الطاقة بنسبة 30 في المائة – 48 في المائة وإذا نفذت الخطة بشكل كامل وصحيح، فمن المتوقع خفض انبعاث ما يزيد عن 10 ملايين طن من غاز ثاني أكسيد الكربون والانبعاثات الأخرى على مدى ثلاثة عشر عاما (2013 - 2025)، بالإضافة إلى مردود مادي يعود بالنفع على المستهلكين، إذ يوفر نحو تسعة مليارات درهما مما ينفق مقابل استهلاك الطاقة.

لقد اعتمدنا عددا من المبادرات التي تهدف إلى تخفيف الضغط عن المياه الجوفية، مثل اعتماد تقنيات ري موفرة للمياه تستخدم في أغراض الزراعة وري الحدائق والمرافق الأخرى. كما ألغينا الدعم الزراعي للمحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه. صحيح أننا ما زلنا في مرحلة تقييم آثار هذا التغيير في سياسة الدعم، لكن التقديرات الأولية تشير إلى أننا نجحنا في تقليل استهلاك المياه بنسبة 30 في المائة. يقوم في الوقت الحالي قطاع المياه بتنفيذ سياسة «الصنابير الثلاثة» عن طريق التكامل ما بين مياه الشرب، والمياه المعاد تدويرها والمياه الجوفية للاستفادة القصوى منها في عدة حالات. فمثلا، لقد بدأنا في استخدام المياه المعاد تدويرها بدلا من المياه الجوفية في الزراعة، وما زلنا مستمرين في تطوير البنية التحتية التي تمكننا من توزيعها على المناطق الزراعية، فسياستنا هي إعادة تدوير 100 في المائة من تلك المياه لتخفيف الضغط عن المياه الجوفية. أيضا، في بداية السنة، أعلنت الإمارات العربية المتحدة خلال القمة العالمية للمياه عن إطلاق برنامج تجريبي بقيادة «مصدر»، لاختبار وتطوير تقنيات متقدمة لتحلية مياه البحر موفرة للطاقة يمكن تشغيلها عن طريق مصادر الطاقة المتجددة. أما الهدف طويل الأمد للبرنامج فهو إنشاء محطات تحلية مياه تعمل بالطاقة المتجددة في دولة الإمارات وأن يتم تصنيعها على نطاق تجاري بحلول عام 2020.

تلك أمثلة لمشاريع بدأناها لمعالجة أجزاء من ثنائية المياه والطاقة. وللمساعدة في تطوير إدارتنا لهذه القضايا المعقدة، اعتمدنا منهجا أكثر ترابطا وعمقا في عمليات التخطيط واتخاذ القرار. فانتهينا مؤخرا من إعداد «رؤية أبوظبي البيئية 2030» التي تقدم إطار عمل لسياسة متكاملة تحقق التوازن بين التحديات، والمقايضات، والفرص التي توفرها هذه الثنائية. كما توفر «رؤية الإمارات 2021» و«استراتيجية النمو الأخضر» التخطيط المترابط على المستوى الاتحادي. ومع تأسيس مجموعات اتخاذ القرار في أبوظبي مثل اللجنة الدائمة لوضع وتنفيذ الاستراتيجية المائية والزراعية بإمارة أبوظبي ولجنة البيئة والبنية التحتية، فإن القيادة العليا في دولة الإمارات لا تدخر جهدا للحفاظ على البيئة واستدامتها، وتلك خطوة في مسيرة طويلة ترعاها قيادتنا الرشيدة لترجمة أفكار وطموحات التنمية المستدامة لمواطنينا ولأجيال المستقبل.

*أمين عام هيئة البيئة - أبوظبي