روحاني: المرشح غير المتوقع لتوحيد الصفوف

TT

جاء انتخاب رجل الدين المعتدل والوسطي حسن روحاني رئيسا للجمهورية الإسلامية سادس رئيس للبلاد بما يقرب من 51 في المائة من الأصوات، بمثابة الصدمة بالنسبة لكثير من الإيرانيين (وأنا من بينهم). وسيكون لانتصار روحاني المفاجئ كثير من الآثار العملية والرمزية على إيران والإيرانيين، ولعل أهمها هو احتمال الوصول للوحدة السياسية. وتعد هذه الوحدة مهمة للغاية للشعب الإيراني ولحركة الإصلاح وللمرشد الأعلى علي خامنئي وللمجتمع الدولي ككل. ولفترة قصيرة، سوف يفتح هذا الباب أمام إيجاد علاج للجراح السياسية، وهو الشيء الذي يحتاجه المجتمع الإيراني بشدة.

والشيء الأهم هو أن السعي من أجل الوحدة يعد بمثابة شيء محوري لخامنئي، الذي يسعى لتصحيح الصورة السياسية المشوهة للجمهورية الإسلامية ووقف الاقتتال الداخلي الواضح بين النخبة السياسية منذ الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009، وهو ما جعل خامنئي يقدم عددا من النداءات السياسية. ونتيجة لتفاقم الأوضاع الإيرانية بسبب سياسة الرئيس أحمدي نجاد التي تعتمد على الإثارة والأزمة الاقتصادية والعقوبات الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني، أصبحت الوحدة في مواجهة كثير من العقبات أمرا بالغ الأهمية من أجل بقاء الجمهورية الإسلامية.

ولم تكن الوحدة الحزبية أو الشعبية سمة دائمة ومميزة للمؤسسة السياسية الإيرانية في أي وقت من الأوقات، إذ ظهرت الخلافات بين الفصائل والأحزاب عام 1979، عقب نجاح الثورة الإيرانية التي جمعت عددا لا يحصى من الجماعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتمكن آية الله الخميني من احتواء مثل هذه الطائفية، ولكن في أعقاب وفاته عام 1989، تصاعدت حدة الصراعات الفئوية، وهو ما ساعد على ظهور حركة الإصلاح. وبعد ذلك، تأرجح البندول السياسي من اتجاه الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى الرئيس المتشدد والمحافظ أحمدي نجاد. وفي عام 2008، أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها إلى ظهور الحركة الخضراء، وهو ما انتهي بفرض إجراءات سياسية على نطاق واسع، بما في ذلك استمرار اعتقال المرشحين للرئاسة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وهو ما أدى إلى تحويل الديناميكية التي كان يمكن التحكم فيها إلى حالة من الاستقطاب الشديد.

وقد استمرت الحالة السياسية في التدهور منذ عام 2009، وأصبح القمع يخيم على إيران. وأدى تكثيف العقوبات الدولية التي تستمر في خنق الاقتصاد الإيراني الهش بالفعل إلى تفاقم هذه التوترات السياسية والشعبية.

في هذا السياق، دعا خامنئي «جميع التوجهات والتيارات السياسية» للاشتراك في الانتخابات الرئاسية. وكانت التوقعات تشير إلى أن (الوحدة) لن تحدث إلا داخل معسكر المحافظين في إيران، أو أن رئيسا سابقا قد يظهر لسد الفجوة الشعبية، واعتقد كثيرون أن أحد المحافظين الموالين للمرشد الأعلى سيكون هو المرشح الرئاسي المثالي. في السيناريو الأول، ثبت أن الوحدة بعيدة كل البعد عن المحافظين الذين لم يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق على مرشح واحد. في الواقع، تنافس خمسة مرشحين محافظين في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها إيران في الرابع عشر من يونيو (حزيران) الحالي.

وفي السيناريو الثاني، تقدم الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني بأوراق ترشحه ثم جرى استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور، وهو ما حطم آمال المعتدلين. ووافق المجلس على المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف، وحليف رفسنجاني لفترة طويلة حسن روحاني. وخلال الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، حدث تحول محوري داخل معسكر الإصلاح، إذ انسحب عارف لصالح روحاني، بناء على طلب من الرئيس السابق خاتمي، في الوقت الذي أعلن فيه رفسنجاني وخاتمي عن أن روحاني هو مرشحهما.

اختار الإصلاحيون البارزون المشاركة وحث الناخبين الواعين على دعم روحاني عوضا عن مقاطعة الانتخابات كما كان يخشى في البداية. وبالتزامن مع ذلك، عاد الإصلاحيون والمنتمون إلى التيار الوسط المهمشون إلى المشهد السياسي الجديد بفضل اتحادهم. وبانتصار روحاني، أمام الإصلاحيين فرصة فريدة لإعادة إحياء السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية المعتدلة. وأذهل انخراط الإصلاحيين في السياسة بعد انتخابات عام 2009 الشعب الإيراني، فقد اعتقد كثيرون بعد ما حدث عام 2009 أن التصويت سيكون أمرا عديم الجدوى في الانتخابات المعروفة نتائجها مسبقا. وكشفت استطلاعات الرأي التي أجريت قبيل الانتخابات أن أكثر الناخبين لم يحسموا أمرهم بعد. تبين أن الأحداث السالف ذكرها مع مناشدة خامنئي للإيرانيين، بمن فيهم معارضو النظام، في اللحظة الأخيرة بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، ضرورية من أجل حشد الناس وحثهم على الانتخاب. في النهاية، جرى تقدير نسبة الذين شاركوا في العملية الانتخابية 72 في المائة وذهلوا عندما وجدوا أنه فُرزت أصواتهم بنزاهة. ويمثل الحماس الشعبي الذي ظهر في شوارع إيران نقطة تحول مهمة بالنسبة إلى الشعب الإيراني.

كذلك أذهل فوز روحاني المجتمع الدولي الذي يراقب الوضع في إيران بحذر على الهامش. بعد جولات من المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني والعقوبات القاسية، أصيبت مجموعة الخمسة زائد واحد بإحباط من موقف إيران المتشدد غير القابل للحلول الوسط. مع ذلك يعرض روحاني إمكانية تقديم مرونة أكبر في المفاوضات المستقبلية. ويظل روحاني، مثل كل المرشحين الآخرين، ملتزما بالطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووي، لكن تجربته ودفاعه عن فترة عمله كمفاوض في المحادثات النووية منذ عام 2003 إلى 2005 والتي جرى خلالها تعليق تخصيب اليورانيوم يشيران إلى عودته إلى تبني استراتيجيات أكثر اعتدالا.

وقدمت الانتخابات إلى خامنئي الوحدة، حيث تجمع بين روحاني، الذي لا يعد محافظا متشددا، وبين المرشد الأعلى علاقة قديمة راسخة. لقد شغل روحاني منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 16 عاما منذ عام 1989 حتى عام 2005. كذلك كان عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء ومستشارا لكل من رفسنجاني وخاتمي لشؤون الأمن القومي. ولروحاني تاريخ طويل من البراغماتية يستدل عليه من عدة مواقف جديرة بالذكر.

كذلك روحاني يتمتع بقدرة على بناء الجسور بين أفراد النخبة السياسية المنقسمين على أنفسهم وذلك بصفته جزءا من النظام. وفي الوقت الذي لا يعد فيه روحاني ترياقا شافيا للجمهورية الإسلامية، ولن ينجح فوزه في محو ما حدث عام 2009، يمثل انتخابه استراحة مؤقتة وفرصة لهذه الدوائر الانتخابية المهمة.

الزمن فقط هو الذي سيخبرنا ما إذا كان روحاني سيتمكن من الوفاء بوعوده الانتخابية ومنها تحقيق تقدم اقتصادي وتبني سياسة خارجية منفتحة وزيادة الحرية الاجتماعية واتخاذ نهج معتدل في الملف النووي. وحتى ذلك الحين، منحه احتمال نجاحه في توحيد الصفوف وقتا يحتاجه كثيرا.

* أستاذة دراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكينز ومؤلفة Action and Reaction: Women and Politics in the Islamic Republic of Iran «الفعل ورد الفعل: المرأة والسياسة في جمهورية إيران الإسلامية» (بلومزبيري 2011)