متى نلتفت إلى صحة المرأة؟

TT

لا تزال صحة المرأة تنال عناية عالمية أدنى مما يجدر، وهذا كلام تم عرضه بعبارات «لطيفة» و«رقيقة» كي يطرق الأسماع دون أن يثير حساسية النساء. العناية بصحة المرأة أصبحت ضرورة من جانبين، أولهما: واقع تعامل الرجال معهن في الجانب الصحي، وذلك وفق ما نشرته منظمة الصحة العالمية في تقريرها حول العنف ضد صحة المرأة، الذي وصل إلى مرحلة «تو ماتش» (Too Much). وثانيهما: ما توالى ذكره في نتائج الدراسات الطبية من ملاحظات واسعة النطاق حول اختلافات تأثيرات الأمراض على الذكور والإناث، واختلاف تأثيرات استخدام وسائل علاج الأمراض تلك تبعا للاختلافات الفسيولوجية والتشريحية لعمل جسم الرجل وعمل جسم المرأة، وانتشار أمراض معينة بنسبة أعلى بين النساء مقارنة بالرجال وبالمقابل انتشار أمراض أخرى بنسبة أعلى بين الرجال مقارنة بالنساء، وهو ما أفرز ما يعرف بـ«صحة المرأة» (women health).

والواقع العالمي للعنف ضد صحة وسلامة المرأة أمسى بالفعل عنيفا وأمسى «إحدى مشكلات الصحة العمومية ذات الأبعاد الوبائية» وفق نص كلام منظمة الصحة العالمية على نتائج ما وصفته بأنه «أول دراسة منهجية للبيانات العالمية عن معدلات انتشار العنف ضد المرأة».

ولاحظت المنظمة في تقريرها (Global and regional estimates of violence against women) الصادر في 20 يونيو (حزيران) الحالي أن العنف الجسدي أو الجنسي من قبل «الشريك الحميم» (intimate partner) هو أكثر أنواع العنف شيوعا ضد المرأة، ويلحق الضرر بنسبة 30% من النساء في أنحاء العالم أجمع.

وأورد التقرير تفاصيل عن تأثيرات عنف «الشريك الحميم» على الصحة البدنية والنفسية للمرأة والفتاة، ومنها أن نحو 38% من جرائم القتل التي تطال النساء عالميا يرتكبها «الشريك الحميم»، وأن 42% من النسوة اللواتي يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من «الشريك الحميم» تلحق بهن إصابات (injuries)، إضافة إلى أن هؤلاء النسوة أكثر عرضة بنسبة 200% للإصابة بالاكتئاب، وأنهن أكثر عرضة بنسبة 200% لأن يكون لديهن مشكلات في تعاطي الكحول، فإنهم أكثر عرضة أيضا بنسبة 150% للإصابة بعدوى ميكروبات الأمراض الجنسية بأنواعها المختلفة، ناهيك بالحمل غير المرغوب فيه والإجهاض، الذي يرتفع لديهن أيضا بنسبة 200%، كل هذا بالمقارنة مع النسوة اللواتي لا يتعرضن لتلك النوعية من العنف الجسدي والجنسي.

وهذه الأرقام في النهاية أعباء صحية ومادية ستصب في المستشفيات والعيادات لتلقي الرعاية الصحية، إضافة إلى الأعباء الاجتماعية والاقتصادية. ولذا علقت الدكتورة مارغريت تشان، المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، بالقول: «هذه النتائج توجه رسالة رصينة مفادها أن العنف ضد المرأة مشكلة صحة عالمية ذات أبعاد وبائية، ونحن نرى أيضا أن بإمكان النظم الصحية في العالم أن تفعل المزيد بشأن النساء اللواتي يتعرضن للعنف، ويجب عليها أن تفعل ذلك».

وفي شأن اختلاف تأثيرات الأمراض على النساء مقارنة بالرجال، فالأدلة العلمية والواقعية من ممارسة المعالجة الطبية تفوق الوصف في إثبات هذه الاختلافات. وهنا لا نتحدث عن أمراض النساء بمعناها الضيق المتعلق بالأعضاء التناسلية والحمل والولادة، بل عن أمراض شائعة جدا. ومثلا، يوجد عن مرض ارتفاع ضغط الدم الكثير جدا من الدراسات الطبية التي تثبت اختلافات بين الجنسين في آلية نشوء المرض، ونوعية ومقدار الاستجابة للمعالجة الطبية بالأدوية المختلفة، وهو ما يحدو الباحثين إلى التذكير دوما بأن هذه الاختلافات الواضحة تفرض ضرورة مراجعة الإرشادات الطبية الحالية لطريقة تشخيص ومعالجة ارتفاع ضغط الدم بين الذكور والإناث. ومثلا أيضا، أمراض شرايين القلب لها مسببات مشتركة ومسببات تختلف لدى النساء عن الرجال، ولكن هناك أيضا في الواقع «هوة بين الجنسين» (gender gap) في التشخيص والمعالجة. وهي العبارة التي استخدمتها الدكتورة جيدث هسيا، الطبيبة في جامعة جورج واشنطن، في مقالها العلمي التفصيلي عن الاختلافات بين الجنسين في تشخيص ومعالجة أمراض القلب. وعرضت نتائج مجموعات من الدراسات المثيرة للجدل، التي لاحظت أن النساء أكثر عرضة للوفاة حال الإصابة بالنوبة القلبية مقارنة بالرجال، وأنهن وفق دراسة ولاية واشنطن، أقل تلقيا للمعالجة الصحيحة مقارنة بالرجال. وقالت: «ليس من الواضح سبب الاختلافات في تلقي المعالجة، هل هم الأطباء، أم أن المريضات رفضن المعالجة، أم إخفاق طاقم التمريض بالإسعاف في العناية بهن، أم هناك أسباب أخرى؟». وذكرت الاختلافات بين النساء والرجال في اختبار جهد القلب، ونتائج قسطرة القلب وتوسيع الشرايين المتضيقة ونتائج إجراء جراحات القلب المفتوح للشرايين التاجية وغيرها من علامات الفروق في التشخيص والمعالجة. وقد حاولت رابطة القلب الأميركية في حملتها «الرداء الأحمر» الموجهة لتثقيف النساء بأمراض الشرايين جاهدة توضيح كثير من الفروقات بين الرجال والنساء في أمراض شرايين القلب. ولا يتسع المقام لاستعراض أنواع أخرى من الأمراض التي فيها اختلافات واضحة بين النساء والرجال.

إن صحة النساء تحتاج إلى عناية، وأولى الخطوات تبدأ من تقليل تعريضهن للإصابات ووقايتهن من الأمراض، وتسهيل وصولهن إلى مرافق تلقي المعالجة الطبية، وملاحظة ضرورة ترجمة الاختلافات في نتائج وسائل الفحوصات الطبية من أجل تلقيهن المعالجة الملائمة لأمراضهن.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]