هل يمكن تغيير التوازن العسكري في سوريا؟

TT

هذه المرة استخدم سياسيو اجتماع الدوحة الأخير - وأغلبهم مقيدو اليدين - مصطلح «تغيير التوازن العسكري» في سوريا، إقرارا غير مباشر بأن اجتماعاتهم السابقة كانت عقيمة وفق الرؤى العسكرية في مراحل الحرب، على عكس الطرف الآخر، الذي بقي حلفاؤه يتحركون كما تتطلب ضرورات الحرب وليسوا في حاجة لمراجعة المواقف أو للحصول على موافقة هذا الطرف أو ذاك، فكلهم على قلتهم العددية، متفقون على الهدف والوسائل والنتيجة.

لست ميالا إلى الأخذ بما يقال عن أن حزب الله درب ثمانين ألف سوري على قتال المدن. وسواء درب مئات أو آلاف الأشخاص، فالتدريب لا يمثل معضلة لمراكز تدريب الجيش النظامي السوري، والتدريب في الميدان يقدم خبرة كبيرة، عندما تكون كفة الموقف مسيطرا عليها كما هو الوضع في الأسابيع الأخيرة. كما أن تدخل مقاتلي حزب الله لم يكن سرا من البداية، إلا أنه أخذ طابعا معلنا، إيذانا ببدء مرحلة جديدة من العمليات المضادة، تعكس وصول إمدادات كبيرة إلى النظام. ولم يعد النظام يعاني خطر تهديد دمشق أو مناطق الساحل، لأن قوى المعارضة المسلحة لم تحصل على معدات تمكنها من إحداث تغيير أو تطور إيجابي، فبدأت الكفة تميل بشكل لافت لصالح النظام.

معضلة الغرب «المعلنة» هي التخوف من وصول السلاح إلى الجماعات المتشددة، وهذه قصة بقيت مستمرة، فلا هي من المعادلات الممكن السيطرة عليها، ولا هي من المواقف الممكن تجاوزها، كما أن الخلاف بين السياسيين الأميركيين وهيئة الأركان الأميركية بقي مستمرا، فغابت قدرة الرئيس عن اتخاذ قرار حاسم، فما اتخذ من خطوات لا يمثل قرارات مهمة مقارنة بقرارات عن مواقف دولية أخرى. لذلك، بقيت قرارات دول «أصدقاء سوريا» غير ذي جدوى إلى حد كبير، وتدل على أنهم قد يستحضرون حروبا طالت سنين عدة، وليست معاناة السوريين هي الوحيدة في سجل الحروب والشعوب!

وما هو السلاح النوعي المقرر إرساله وأين وصل؟ فالحديث عن النوعي لا يستحق التوقف، فهناك مجابهة يحتفظ بها الطرف المقابل بقوة مدرعة كبيرة وأعداد كبيرة من طائرات القصف والهجوم الأرضي وتشكيلات من طائرات الهليكوبتر الهجومية وكثافة نارية كبيرة. والسلاح المطلوب هو ما يقابل هذه الوسائل والمعدات، بأعداد كبيرة وتقنية حديثة، فضلا عن أسلحة أخرى ذات تأثير معنوي، وكل المؤشرات تدل على أن استيعاب هذه الأسلحة أصبح يتطلب وقتا أطول مما كان عليه قبل بضعة أشهر. أي أن انقلاب المعادلات بشكل سريع لم يعد ضمن الحسابات التي يمكن توقعها.

قوى الفصائل السورية المسلحة تأثرت كثيرا بعمليات النزوح السكاني الكبير، فالعمليات غير النظامية في المناطق المأهولة توفر فرصا للاستمرار والقوة أكثر من المناطق غير المأهولة، لأسباب كثيرة يعرفها الذين خاضوا مثل هذه التجارب. فالشباب الذين يغادرون إلى خارج البلاد يصعب التفكير في تشكيل وحدات قتالية منهم، إلا إذا كان برعاية إقليمية ودولية. خلاف ما يمكن أن يحدث في مناطق الوجود الأصلية، لذا، فإن عمليات النزوح القسري أثرت لصالح النظام بقوة وليس العكس. كما أن ما نسب إلى الرئيس الروسي بوتين من أن عدد المقاتلين من أوروبا وروسيا المتوجهين للقتال ضد النظام بلغ نحو 600 مقاتل يتطلب التوقف، لأن مثل هذا الرقم لا يعني شيئا كبيرا في ساحة حرب مفتوحة سعتها مئات آلاف الكيلومترات. كما أن قرار «المجلس الإسلامي التنسيقي الأعلى» الذي عقد مؤخرا في القاهرة، لن يترك أثرا فعالا يؤدي إلى تدفق «ملايين» المقاتلين كما يتصور البعض، وسيترك آثارا مضادة صعبة على الوضع الإقليمي تتطلب تقييما عمليا هادئا.

الصورة المتشابكة هذه لا تعني أن النظام قد كسب الحرب، أو أن «الجيش الحر» والكتائب المسلحة الأخرى خسروها، بل إن المعاناة السورية تتفاقم، وإن الحل الأمني لا وجود له، والحل العسكري انتقل من إطاره المحلي إلى حرب إقليمية خطيرة. ومع أن المؤشرات والمعطيات تدل على أن الحل لا يزال متروكا في الميدان، فإن الحلول السياسية تتطلب مبادرات من الطراز الجدي الثقيل. وهكذا قُدر للأمة السورية تحمل قدر يفوق حمله كل ما قيل عن تحمل من سبقهم من الشعوب العربية من أرقام، ومعاناة لم نشهد مدى دقتها، فما أصاب سوريا لم يصب غيرها.